ورحل إلى المشرق مع أبيه سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة فحج ولقي بمكة أبا القاسم عبيد الله بن محمد السقطي البغدادي وأبا الطيب بن غلبون المقرىء وأبا إسحاق التمار وأبا عبد الله محمد بن أحمد بن عبيد الوشا وأبا محمد بن عبد الغنى بن سعيد الحافظ وغيرهم . ولقي بالقيروان : أبا محمد بن أبي زيد الفقيه فسمع منه جملة من تواليفه وأجاز له سائرها وأبا جعفر أحمد بن دحمون بن ثابت وغيرهما . ثم انصرف إلى طليطلة بلده فروي عنه أهلها ورحل الناس إليه من البلدان .
وكان خيرا فاضلا زاهدا عابدا مجتهدا دينا متواضعا ورعا سنيا عالما عاملا ويقال إنه كان مجاب الدعوة . وكان الأغلب عليه الرواية والتقييد وقراءة الآثار والعمل بها . وكانت جل كتبه قد نسخها بيده وكان في روايته موثوقا متحريا صدوقا . وكان قد التزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وكان يتولى ذلك بنفسه ولا تأخذه في الله لومة لائم . وألف في هذا المعنى ديوانا وهو : كتاب الأمر والنهي .
وكان مهيبا مطاعا محبوبا من جميع الناس لم يختلف اثنان في فضله وكان الناس يتبركون بلقائه . وكان مواظبا على الصلاة بالجامع ولقد خرج إليه في بعض الليالي لصلاة العشاء حافيا في ليلة مطر . وكان يقرأ خلف الإمام فيما جهر فيه .
وذكر أنه كان يحصى ما كان يسوقه من كرمه ولو كان عنقودا واحدا لإحصاء الزكاة . وكان يتولى عمل عنب كرمه بنفسه . وسمع عن بعض أصحابه الذين يختلفون إليه إنه يروي ديوان كذا بسند قريب . فقال له : أريد أن اسمعه منك . فاحضر الديوان وصار الشيخ بين يديه وسمعه منه . ذكر ذلك كله ابن مطاهر وقال : توفي : سنة أربع وعشرين وأربع مئة . وما رىء على جنازة بطليطلة ما رىء على جنازته من ازدحام الناس عليه وتبركهم به C .
وقال أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن البيروله : كان أبو محمد بن ذنين هذا شيخا فاضلا ورعا صليبا في الدين كثير الصدقة يبايع الناس إذا ابتاع أعطى دراهم طيبة لا دلسة فيها ولا زائفة وإذا بايع اشترط مثل ذلك وإذا خدع فيها وردت عليه صرها في خرقة ثم واسط بها القنطرة وألقاها في غدير الوادي ويقول : هي أفضل من الصدقة بمثلها لو أنها طيبة لقطع الردى والغش من أيدي المسلمين .
كانت جل بضاعته قراءة كتب الزهد وروايتها وشيء من كتب الحديث ولم يكن له بالمسائل كبير العلم .
عبد الله بن سعيد بن عبد الله الأموي يعرف : بابن الشقاق . من أهل قرطبة وكبير المفتين بها يكنى : أبا محمد .
روى عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن قاسم القلعي وعن أبي عمر أحمد بن عبد الملك الأشبيلي واختص به . وعن أبي محمد الأصيلي وغيرهم . قال ابن مهدي : كان أبو محمد هذا فقيها جليلا أحفظ أهل عصره للمسائل وأعرفهم بعقد الوثائق وحاز الرياسة بقرطبة في الشورى والفتيان وولي القضاء الكور والرد بقرطبة والوزارة . وكان يقرىء الناس بالقراءآت السبع ويضبطها ضبطا عجيبا . أخبرني أنه قرأ بها على أبي عبد الله محمد بن الحسين بن النعمان المقرىء وبدأ بالاقراء ابن ثمان عشرة سنة وكان بصيرا بالحساب والفرض والنحو مقدما في ذلك أجمع إلا أن الفقه والفتيا فيه وعقد الوثائق كان أغلب عليه نفعه الله بذلك . ولد أبو محمد هذا سنة ست وأربعين وثلاث مائة .
قال ابن حيان : وتوفي C ودفن عشى يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر رمضان سنة ست وعشرين وأربع مئة . وصلى عليه القاضي يونس بن عبد الله بمقبرة أم سلمة . وكانت سنة إحدى وثمانين سنة وشهرين . وزعموا أن سبب موته : أن عينه رمدت فأشير عليه بالفصد ففصد والوقت حمارة القيظ فانهدت قوته وفنيت رطوبته وتكسع في علته ثلاثا ثم قضى نحبه C .
عبد الله بن محمد بن معدان : من أهل قرطبة يكنى : أبا بكر .
صاحب الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة وكاتب القاضي يونس بن عبد الله ومن قبله وأمينهم على تنفيذ الوصايا .
وكان يعقد الشروط وكان عفيفا سمع الأخلاق مطلق البشر يقبل الهدية ويأبى الرشوة . وتوفي يوم الأحد لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من سنة ست عشرة وأربع مئة . وصلى عليه القاضي يونس بن عبد الله وهو يومئذ أسن منه وشهده جمع الناس . ذكره ابن حيان