فازدحموا كلهم عليه ... واقترعوا فيه بالسهام .
فظلّ سَهمي لشؤْم بَخْتي ... قد ضلّ من كَثرة الزِّحام .
فازَ به بُرهةً خَبيثٌ ... والقلب من ذاكَ في اضطِرام .
فلم يَزالا كذاك حتى ... أحاطَ بالأعْور انتقامي .
هامَ على وجهه طَريداً ... من مجلس العالم الإمام .
فاقْضِ أبا جعفرٍ فإني ... أفديكَ من حاكِمٍ هُمام .
سَلْ هاتفَ الجِنِّ عن جَوابي ... يُجبكَ بالوَحْي في المَنام .
وعِش كما شئتَ في سرورٍ ... منعَّمَ العيش ألف عام .
أبو القاسم الهمذاني .
أنشدني الفقيه العالم أبو الحسن علي بن أحمد الراوي قال : أنشدني أبو القاسم لنفسه : .
تُعيِّرُني وخْطَ المَشيبِ بعارضي ... ولولا الحُجولُ البيضُ لم تَحسُنِ الدُّهْمُ .
حنى الشيبُ ظَهري فاستمرّتْ عَزيمتي ... ولولا انحناء القوس لم يَنفذِ السهمُ .
القسم الخامس .
في فضلاء جُرجان واستراباذ .
وقومَس ودِهِتان وخوارزْمَ وما وراء النهر .
قاضي القضاة الرئيس .
أبو بشر الفضل بن محمد الجُرجاني .
ذكره الثعالبي في اليتيمة ولو يورد بيتاً واحداً من شعره . فكيف لا ينشر فضله وهو سَميُّهُ ولأهل أنشدني الشيخ أبو عامر الجُرجاني له قال : أنشدني لنفسه من قصيد في شمس المعالي : .
لمّا تنكَّر معروف عُرفكُمُ ... تنكَّر الناسُ لي حتى ذَوو رَحِمي .
وليس إلا انتظاري منكَ عارفةً ... تُغيثُ لهفانَ قد أشفى على العَدَمِ .
أشيمُ عَفوكَ والآمالُ تبسُطُه ... ومَوقِفي منكَ مثلُ الأخذ بالكَظَمِ .
إذا رقدتُ فإنّ الرَّوعَ في حُلُمي ... وإن أفقتُ فطعمُ الموت ملءُ فَمي .
وقد ألمَّ ببيت الآخر حيث يقول : .
وعلى عَدوِّك يا بنَ عم محمدٍ ... رَصَدان ضوءِ ؛ الشمس والإظلامُ .
فإذا تنبَّه رُعْتَه وإذا هدى ... سلّتْ عليه سيوفَكُ الأحلامُ .
وفي هذه القصيدة يقول : .
لا يأمنَنْ أحدٌ طالتْ سلامتُهُ ... فالدهرُ مُغرىً بِهِ إنْ نامَ لم يَنَمِ .
سَلْني فعندي من أخباره جُمَلٌ ... تُنْسيكَ ما قيلَ في عادٍ وفي إرَمِ .
قال الشيخ أبو عامر : وأنشدني لنفسه : .
قد يكرهُ المرءُ ما فيه سلامتُهُ ... وربّما عشقَ الإنسانُ ما قَتَلا .
ولم تزلْ هذه الدنيا مُحبّبَةً ... إلى نفوسٍ سَقَتْها السُّمَّ والعَسَلا .
فهذا كلام كما تراه دالٌّ على ما وراء قائله من كثرة طائله ولفظٌ يَميسُ المعنى في رقاقٍ من غلائله .
ابنُه .
أبو المَجْد .
كريمٌ ينثرُ الدرَّ إذا أخذ القلم ومن أشبه أباه فما ظلم . ولم يبلُغني من شعره إلا ما أنشدنيه الشيخ أبو عامر له . وهو أُحصِرَ ضرورةً فانصرف صَرورةً . فممّا أنشدنيه الشيخ أبو عامر له قوله في شِكاية الزمان وأهله واستيلاء نقصهم على فضله : .
أيُّ وقتٍ هذا الذي نحنُ فيه ... مُذ دَجا بالقياس والتشبيهِ .
كلّما سارتِ العقولُ لكيْ تق ... طَعَ تِيهاً تَغوَّلتْ في تِيهِ .
وله في معناه : .
هذا زمانٌ ليس في ... ه سِوى النَّذالةِ والجَهالهْ .
لم يَرْقَ فيه صاعدٌ ... إلا وسُلَّمه النَّذالهْ .
قلت : لا سَلمَ الواقي في هذا السَّلم ولا ندبتُ يدُ الدهر لنذلٍ ببَذلٍ . وله أيضاً في قريبٍ منه : .
لا يوحشَنَّك أنّهم ما ارتاحوا ... مِمّا جلاه عليهِمُ المُدّاحُ .
فهُمُ كقومٍ عُلِّقَتْ بإزائهمْ ... بيضُ المَرائي والوجوه قِباحُ .
قلت : هذا معنىً لو يُنجب مثله فكرٌ وعندي الضمان على الدلالة أنّه بِكرٌ . وله في اليأس من الناس : .
خلعَ الناسُ إهاباً ... وتبدَّوا في إهاب .
وأرى نَفسيَ تأبى ... غيرَ ما كان ثيابي .
إنّ إتْراباً من الما ... ل بلَثْمٍ للتُّراب .
ليسَ من خِيمِ كريم ال ... خِيمِ والمَحْضِ اللُّباب