حدثني الأديب يعقوب قال : أنشدني سلمان بن خضر الطائفي لنفسه وكنيته أبو الفتح قد مر مجتازاً بنيسابور إلى مرو وقال : كان شاباً كثير البهجة فصيح اللهجة : .
كأنَّ الغَمامَ لها عاشقٌ ... يُسايرُ هَودَجَها أينَ سارا .
وبالأرضِ مِن حُبِّها صُفْرةٌ ... فما تنبِتُ الأرضُ إلا بَهارا .
وأنشدني أيضاً له قال : أنشدنيه لنفسه : .
بَرزتُ في غِلالةٍ زَرقاءِ ... لا زَوَردَّيةٍ كَلونِ السماءِ .
فَتبيّنتُ في الغِلالةِ مِنها ... قمرَ الصيفِ في ليالي الشتاءِ .
وأنشدني له أيضاً : .
لي حَبيبٌ منَ الوَرى شَبَّهوه ... بِهِلالِ الدُّجى وقَدْ ظَلموهُ .
ليسَ لي عَنهُ في سُلوِّيَ وَجهٌ ... ولهُ في السُّلوِّ عنِّي وُجوهُ .
قَمرٌ كلَّما كتمتُ هَواهُ ... قالَ دَمعي : هذا المُريبُ خُذوه .
أبو محمد علي بن الأزهر .
ابن عمرو بن حسان حياني الأديب يعقوب بن أحمد أيده الله بريحانة شعره وأرخى طولي منه في روضة مستأسدة الأعشاب مترنمِّةِ الذُّبابِ . فمما سحر لُبِّي من لُبِّ كلامِهِ قوله : .
دِيارَهُمُ بالرَّقمتينِ سُقيتِ ... سحاباً منَ الوشميِّ ثم وُليتِ .
وما لَكِ في ريِّ السحائِبِ حاجةٌ ... وقد طالما من مُقلتي رُويتِ .
وإن كانَ ماءُ العَينِ ليسَ بنافعٍ ... فحسبُكِ قد أبلَيتِ ثم بَلِيتِ .
وكم قد سبتني فيك من ذاتِ بُرفْعٍ ... بأحسنِ عَينٍ للمهاةِ وَليتِ .
وألمى عليهِ لُعسَةٌ زِينَ حُسنُها ... بأبيضَ معسولِ الرُّضابِ شَتيت .
أيا بأبي الغورانِ طَنَّبتِ فيهما ... وأرضٌ من الغَورَين كنتِ وَطيتِ .
وماء حَللتهِ وإنْ كانَ آجِناً ... وروضٌ رعَيتِ العُشبَ فيهِ رُعيتِ .
قلت : ما أحسن ما جمع بين قوله رعيت العشب على الإخبار ورعيت . . على الدُّعاء ! .
! .
فهما إذا سبرهما تقدير روضة وغدير : .
ورَكبٍ عِجالٍ مُدلِجينَ تَرَوَّحوا ... على كلِّ مَوّارِ اليَدينِ هَربتِ .
فقلتُ لهم : سِيروا ولا تَتروَّحوا ... فليس لنا وادي الغَضا بِمَبيت .
فقالتْ : ولِمْ أمسيتَ تطوي بِلادَنا ... فَقُلتُ : أمرتيني غَداةَ نَهِيتِ .
أراد أمرتني إلا أنه أشبع الكسرة فصارت باءً .
وقد كُنتِ لا تَرضينَ منهم بِما أرى ... منَ الضيمِ لي فاليومَ كيفَ رَضيتِ .
وأَقْسمتِ ألاّ تقبلي قول كاشِحٍ ... كَذوبٍ فلِمْ أقسمتِ ثُمّ نَسيتِ .
قلت كنايتهُ عن الحنث بالنسيان عندي أقصى غاية من الإحسان وقد قيل : لم يكن أحد كنى عن تكذيب الحبيبةِ بأحسن من قول المتنبي : .
تَشْتكي ما اشْتكيتُ من ألمِ الشْوْ ... قِ إِليْها والشوقُ حيثُ النُّحولُ .
وله ضاية حمل بها كل ناطق بالضاد طاه في قدور الصّاد وهي : .
سَقَتِ السحائب قبل أنْ تَتقوَّضا ... خِيَماً على الخابورِ أمسَتْ رُفَّضا .
فيهنَّ من أبناءِ جَوثَة فِتيةٌ ... غُضُبٌ فما يَرضَوْنَ إلاّ بالرّضا .
من كلِّ أروعَ . ما يقرُّ فُؤادُهُ ... كالحَّةِ النَّضناض لمّا نضنضا .
ما يَقتَني إلا طِمِرّا مُلجَماً ... ومُفاضةً زعفاً وسَيفاً مُنتضى .
يا راِكباً إمّا عَرضتَ فبلِّغَنْ ... مَنْ بالعِراقِ مصرِّحاَ ومعرّضا .
إني غَرضتُ عن المُقام بأرضِكم ... صِفرَ اليدينِ وحُقَّ لي أن أغرضا .
بُعداً لمنْ يَرضى بدار مَذَلةٍ ... يُمسي بِها حَرِضاً ويُصبحُ مُحرَضا .
وإذا الكريمُ رأى الهَوانَ ببلدةٍ ... رفضَ الهَوانَ بها وراحَ مُركِّضا .
وأنادمُ الجبارَ لا أرضى بهِ ... إلا إذا كانَ اللبابَ المُرتَضى .
وأفُضُّ أوعيةَ المُدامِ وأجتلي ... ألوانَهنَّ مذَّهباً ومفضَّضا .
إنْ ضاقَ مَسرُح ناقَتي في بلدةِ ... فزِمامُها بيدي وما ضَاقَ الفَضا