أيامه عُرفتْ فيها رئاستُهُ ... كجدول التبر يَسقي روضَ ديباجِ .
ثَناؤه ومَواضيه ونِعمتُهُ ... حَليٌ لأيدٍ وأعناقٍ وأوْداج .
فالبيتُ بيتُ عُلاً والكفُّ كف ندىً ... والنطقُ نطقُ بليغِ الفضل مِحْجاج .
وَقْتاهُ وقتُ ندىً تَنْدى غَمامَتُهُ ... ووقتُ بأسٍ يُغشِّيه بإرهاج .
يستنفدُ الوصفَ في أدنى مناقبه ... ويملأ الثَّنيَ من صُحفٍ وأدراج .
مآثرٌ كاثَرتْ حَصْرَ النَّقا ومحتْ ... آيَ الدُّجى وارتقتْ أعرافَ أبراج .
وغُرّةٌ مثل أنفِ الرعنِ شامخة ... في بحر جودٍ صَخوبِ اللُّجّ عَجّاج .
مِن معشرٍ كأنابيب القَناة سَمتْ ... بكفِّ قارع حِصنِ السابق الناجي .
ومنها : .
ألستَ نَجلَ فتىً سَحّابِ أرديةٍ ... دَخّالِ نقْعِ مِصاعٍ منه خَرّاجِ .
لا يوصَفُ العبدُ في أحشاء بَدْوتِهِ ... ولا تحمُّل أظعانٍ وأحداجِ .
ومنها : .
هذا الكلامُ الذي تَذْكو غَزالتُهُ ... يغشى سَنا البدرِ في طَرْف الدُّجى الساجي .
فخُذْهُ كالفجر وضّاحاً مُقلَّدُه ... تِربَ التربية من بيضاءَ مِغْناجِ .
قال يرثي الشيخ الإمام أبا محمد عبد الله بن يوسف الجُويني رحمة الله عليه : .
علومٌ عَلَتْ أعلامها غَبَراتُها ... وأعينُ أعيانٍ طَغَتْ عَبَراتُها .
وأفلاذُ أكبادٍ من الفضل فُتِّشَتْ ... فُدلَّ على تفتيتها زَفَراتُها .
نبا بليوثِ الغاب عُقرَ غُيولها ... وأُخْليَ من عُفر الفَلا سَمراتُها .
أبى اللهُ عزَّ الله إلاّ تَنَقُّصاً ... من الأرض حتى استُقلعِتْ شَجَراتُها .
تَداعتْ مَباني الدينِ وانهدَّ رُكنُهُ ... ودُهْدِهَ من أطوادِهِ صَخَراتها .
وغارَ ضياءُ الشمس فانكسفتْ لهُ ... شموسٌ وأقمارٌ خَبَتْ شَرَراتها .
أرى عُصباً تيجانُها قد تَقَوّضتْ ... وقد عصَبتْها بالثرى غَبَراتُها .
وأوجهَ أقوامٍ كرامٍ على العُلا ... وقد رَهَقتْها فجعةً فَتَراتُها .
إذا شَقّقَتْ أجفانَها عَبراتُها ... تَشقَّق عن أبدانها حَبَراتُها .
عَلا الحَبْر عبد الله صهوة سابقٍ ... قوائمُهُ من معشرِ قَصَراتُها .
وإنّ قلوباً قُطِّعتْ لوفاتِهِ ... كَوَتْها على تَقطيعها حَسَراتها .
ذَوتْ دَوْحةُ الإسلام والعلم والعُلا ... بمَصْرع مَن جذَّتْ به ثَمَراتُها .
هوى نجمُها العالي وأظلمَ جَوُّها ... ومادت رواسيها ومارتْ كراتُها .
ألا من لحَفلٍ نَدَّ منهُ لقد خلتْ ... نَوادٍ وعادتْ غَيبةً حَضَراتُها .
سلامٌ على المِنطيقِ في شُبُهاتها ... إذا ما رجالٌ عاقَها حَصَراتُها .
برغم النَّوادي والمَجالسِ رُنِّقتْ ... موارِدُها وارتدَّ مِلحاً فُراتُها .
برغم الفَتاوى والمدارسِ هُوِّرتْ ... خواطرُهُ واستُنزفَتْ خَطراتُها .
برغم العلا والدين والعلم والحجى ... ثوى البدرُ والبيضاءُ ضلّتْ سَراتُها .
فيا وَيبَ أحداقٍ طُمسْنَ بأدمعٍ ... غِزارٍ تَدَمَّتْ حُرقةً قَطَراتُها .
ويا ويحَ أقدامٍ عَثَرْنَ لفَقده ... فلمّا استقالت ثُبِّتتْ عَثَراتُها .
فجائعُ سالتْ بالخدود دماؤُها ... كذا وتَهاوتْ في الحَشا جَمراتُها .
لَخفَّتْ مثاقيلُ الرجال وأضلَلَتْ ... حُلوماً وطاشَتْ بعده وَقَراتُها .
وكان إذا ما حرّرت كلماته ... معانيَ لم تَرقُمْ سطوراً قُراتها .
وما ذاكَ فَهمُ المُستفيدِ وإنّما ... سَنا نورِ تفهيمِ المفيد مِراتُها .
ومنها :