أبو الفرج حمد بن محمد .
بن حَسَنيل الهمذاني .
نكتة الدهور والأيام وزبدة الشهور والأعوام لفظتُه هَمذان فأعاد خراسان من نتائج طبعه لا بل من نسائج وشْيه . وقد اتّخذها وطناً ما تركها من الظلّ البَرود عَدْناً . ومن عصب البرود ولم يزل في قِيدِ إنعام الشيخ الإمام الموفّق C حتى لحق ذلك الصدر الكبير بجوار اللطيف الخبير بعد ما فرج أبو الفرج برهةً من الدهر مصطنعاً برسمه وهو في ارتباطه والتجمُّل به موفّقٌ كاسمه . ثم ذكره وهْنُ العظم وكلال الخاطر بعلّة الشيب عن تعاطي النثر والنظم فعاد إلى الوطن الذي فيه درَج والعشّ الذي منه خرج فطار إليه بفِراخه وارتضاه لعَطنِه ومناخه . وأدرّ عليه عميد الملك أبو نصر أنار الله برهانه رسْماً أصلحَ رياسه ورقّح معاشه . ولم تطُل به المُدّة حتى امتلأ مكياله وأهابت به آجاله وزُمّت إلى المنهل المَوْرود جِماله . تعمّده الله بغفرانه وبوّأه بحبوحة جنانه . وكانت بينه وبين والدي - C - صداقة صادقة ومودّةٌ معدّة واختصاصٌ يطلع من جيب واحدٍ رأسيهما ويُحيي بروحٍ واحدة نفسيهما . فانضافت إلى ذلك من مجاورتي إياه في المدرسة النظامية بنيسابور سنتين أنفقتُهما على الاستضاءة بزاهر درّه والاغتراف من زاخر بحره . فإذا أنا راتعٌ من مودّته بين موروث ومكتسب ومُدلٌّ منهما بامتزاج سببٍ أوْكَدَ من اتّشاح نسبٍ . وكان قليل المبالاة بشعره نزر الالتفات إليه لسهولة مآخذه عليه . وكنا نطلبه على شُرف الغَمام فنجده على طَرف الثُّمام . وكان في بيته الذي يسكنه حُبٌّ كأنّه جبٌّ يرمي إليه بمسودّاته على جزء من القراطيس بُطوناً وظُهوراً . ولم تكدْ تصلُ إليها الأيدي سنين بلْهَ شهوراً وربما كنتُ أنتهز الفرصة فأستنقع باحتجابها الغُصّة وأدرك منها بُغية الحريص وأفرجُ بها فرح يعقوب بالقميص . وقد فجعني الدهر بفرائدي منها فصارت فوائت إلاّ ما زيّنتُ به هذا الكتاب .
وكان - رحمة الله عليه - سمحَ البديهة شديد العارضة يموج بها فمُه ويتسابق إليها لسانه وقلمه . وكان أكثر ما يجود به خاطره الخَطّار مقصوراً على الافتخار وحُقّ لمن خُلق من صَلصالٍ كالفَخّار ثم حُلّي بشعارٍ مثل تلك الأشعار أن يخْرقَ الأرضَ أو يبلغ طولاً ويعدّ فضل الفضلاء بالإضافة إليه فُضولاً .
وهذه قصيدة له مدح بها الشيخ الإمام أبا سهلٍ محمد بن هبة الله الموفّق وأودع أثناءها ثناءً للشيخ الإمام أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجُويني رحم الله الماضي وأيّد الباقي : .
مجدٌ على مفْرقِ العَيوق كالتاج ... ومنصبٌ كالثريّا جِدُّ وهّاج .
وطَودُ عِزٍّ تَطولُ النجمَ قِمّتُهُ ... ويَزحَم الفَلَكَ الأعلى بأثباجِ .
وشرقُ شمسٍ عُلاً تَجلو أشعتها ... جُونَ الخُطوب وغيثٌ أخضرُ الراجي .
مُقابَلاتُ عُلاً في بيت مَكْرُمةٍ ... كالزَّهْر يُقرنُ أفراداً بأزواج .
بيتٌ تردَّدَ فيه سُؤددٌ عَجبٌ ... والخَلقُ بين سُلالاتٍ وأمشاجِ .
للدين طينتُهُ والعِلمِ صَخرتُه ... وللعُلا رُكنُه والحِجرُ لّلاجي .
هذا الموفَّقُ في علياء سُؤدُدِهِ ... يذْكو كبدرِ الدجى في الغَيهَب الداجي .
ساد الأئمةَ والأعيان مُقتبلاً ... من قبل أنْ مسَّ مسكٌ صفحة العاجِ .
ثم الرشيدُ ابنُهُ ساد الورى شَرفاً ... لا يُرتَقى جوُّه إلا بمِعراج .
وهِمّةٍ عالتِ الجوزاءَ قاهرةٍ ... وأين منطقُهُ من ذِروة التاج .
يَحيا به أمل العافي إذا ازْدخرتْ ... يمينُه كبحورٍ ذاتِ أمواج .
عِرضٌ طهورٌ بعطر المدح مختمرٌ ... وربَّ عرضٍ تراهُ عُرضةَ الهاجي .
ما إنْ رأيتُ سواهُ سائلاً كرماً ... إنْ يسألوه تَلَقَّ الحاجَ بالحاج .
مُهرٌ نَماهُ عَتيقٌ فَردُ غائبةٍ ... راضَ الزمان بإلجامٍ وإسراج