أفكّر في حالي وفي الدهر لا أرى ... سِوى ملكٍ يَعنو له الشرقُ والغَرب .
القسم الرابع .
في شعراء الريّ والجبال وأصفهان وفارس وكَرْمانَ .
الوزير الصَّفيُّ .
أبو العلاء محمد بن عليّ بن حَسْول .
من عِلّية الكُتاب والداخلين على أنواع الفضل من كل باب . فاللفظ أريٌ مَشورٌ والخطُّ وشْيٌّ منشورٌ . ولم يزل منذ حُلّت تمائمه بين البُلغاء منظوراً وكالأغرّ المحَجَّل بين الدُّهم المصمَتة مشهوراً . واتّفق لي أني لقيتُه بالرَّيِّ في داره بدرْب راذْمُهران فصغَّر الخَبر الخُبْرُ وانثالت عليّ من محاضراته الأزهار والزُّهر . وأنشدته قصيدتي فيه وهي : .
يا حاديَ العير رِفقاً بالقوارير ... وقِفْ فليسَ بعارٍ وَقفةُ العير .
واحلِب مآقي عَينٍ قَصَرتْ ... حُمرَ الدموع على البيض المَقاصير .
فأعجب بها وتعجَّب منها وقال : لولا وَهْنُ رُكبتي لرقصتُ على نسيبه . فهذا كلام كله طيبٌ وليس للداء الرُّكبتين طبيب . ثم انتقلتْ بنا الأحوال إلى أن كدّرت منافسة الصنعة ماء الوّد فنضَوْنا أرديته كما يَنضو الفتى شَملَ البُرد . ومما دار بيني وبينه أنه أنشأ رسالةً في فضل الحَرّ على البَرد وناقضتْه برسالةٍ على الضِّدِّ فقال لي : لا يفضِّل البرد إلا بارد فقلت : ولا السِّخنة إلا سخينُ عينٍ . فبقي كالمبهوت ملجماً بالسكوت وأنا مع هذا لايَنْتُهُ على خشونته وواردَته على كُدورته ومُثن على معاليه بلسان الإنصاف غير طاعن فيه بسنان الانتصاف . فمهما أنشدني لنفسه في دار الكتب بالريّ في شوّال سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة قوله يهجو بعض المتكبّرين عليه : .
دخلتُ على الشيخ فيمَن دخلْ ... فغربل عُصعُصَهُ وانتخَلْ .
وأظهرَ من نَخوةِ الكبريا ... ء ما لَم أقدِّر وما لم أخَلْ .
فقلتُ له مُؤْثراً نُصحَهُ ... وقد يُقبَل النُّصحُ ممّنْ بَخل : .
إذا كنتَ سيِّدنا سُدْتَنا ... وإنْ كنتَ للخال فاذهبْ فخلْ .
فقال : اغتفِرْ زلَّتي مُنْعِماً ... فإنّيَ نَغْلٌ بزيتٍ وخَل .
وكم من وزيرٍ كبيرٍ عَرا ... ه عند قضاء الحقوق البَخَل .
أخَلَّ بحقِّ دُهاة الرجال ... فما زال يصفع حتى أخلّْ .
وأنشدني لنفسه من قصيدة داعب بها ابن الجَبّان ؛ أديبَ العراق وكان مُختضباً : .
سِنّي كسِنّ أديبِ ال ... عراق زينِ الظِّراف .
مجتث .
ستٌّ وستونَ عاماً ... ما بيننا من خِلافِ .
ومنها في الشكاية : .
لكنَّ شيبيَ بادٍ ... وشيبُهُ في غِلافِ .
وأسلمَتْني وذنبُ ال ... مَشيب فيه افتراقي .
من الظباء العَواطي ... إلى الضِّباع القَوافي .
وأنشدني لنفسه أيضاً : .
يا فتى ضَبَّةَ الذي ... هو بَدرُ الدُّجُنًّةِ .
بأبي وجهُكَ الذي ... فيه ناري وجَنَّتي .
والثُّغورُ التي تُضي ... ء الدُّجى حين جَنّتِ .
واللحاظُ التي جَنَتْ ... نظراً أو تَجنَّتِ .
رشَقتْني سهامُهُنْ ... نَ فلمْ تُغْنِ جُنّتي .
فيكَ أخشى على الحَبا ... لى سُقوطَ الأجِنّة .
حقّ للنفسِ أنّها ... بكَ يا بَدرُ جُنّتِ .
عُذْتُ بالله مُخلِصاً ... ربِّ ناسٍ وجِنَّة .
أبو علي حَمْدُ بن محمد .
بن فُورَّجةَ البُروجِرْديُّ .
هو في الصنعة من الفحول والتنبيه على فضله طَرَفٌ من الفضول وشِعره فرخُ شِعر الأعمى أعني شاعر نَعَرّةِ النُّعمان . وإن كان هذا الفاضل مُنزِّهاً عن معرّة العُميان .
أنشدني الشيخ أبو عامر الجرجاني قال : أنشدني ابن فورَّجَة لنفسه : .
دَعْني أمرَّ لطيَّتي ... لا تعقلَنَّ مطيَّتي .
هذا الذي في عارضيْ ... يَ فُضولُ مِسكِ ضَفيرتي .
أتُميتُني وَجداً وأن ... تَ سَميُّ مُحْيي الميِّتِ .
تَقبيلُ ثغركَ مُنْيتي ... ولو أن فيه مَنِيَّتي .
سَهلٌ عليّ مَنالُهُ ... لكنْ بَلائي عِفّتي