يا قاتلي بصدودهِ ... رِفقاً فقدْ شَمتَ الحَسودْ .
بالأمس جئتُ مسِّلماً ... فلقيتُ دونكَ ما يؤودْ .
إن أنتَ عُدتَ لمثلها ... بالله أحلفُ لا أعودْ .
لو قلت : إن هذا سحرٌ وليس بشعرٍ لما تخطّيت الحق ولا تعدّيتُ الصدق .
أبو طالب حمزة بن غاضِرة .
الأسدي البغدادي .
ترامت به الأسفار إلى بوشَنجَ فاستوطن بها . وبُنيت فيها مدرسة برسمه وانثالت التلامذة عليه كعُرف الضبُع . واستقرّ فيها استقرارَ الظُّفرِ في بُرثُنِ السبع وحسُنتْ آثاره على المختلفة إليه المقتبسة مما لديه . وله شعر الأدباء والنُّحاة وليس مع ذلك من صخر البلادة بالنحّات . وأنشدني لنفسه ببوشنجَ سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة : .
أضعتَ الشبابَ وخُنتَ المشيبَ ... برفض الوَقار وخلعِ الرَّسَنْ .
ولم تُرعَ سَمعاً إلى واعظٍ ... فحتى متى ذا أما آن أنْ .
ورأيتُ في بعض التعاليق منسوبةً إليه : .
يا شَيبةَ الرَّشَأِ الأح ... ور ألحاظاً وجَيدا .
هل لعيشٍ فاتَ ردٌّ ... فلقد ولّى حميدا .
إنّما يعرف طَعْمَ ال ... وصْل من ذاقَ الصُّدودا .
وله أيضاً : .
إنْ كنتُ في حُبِّكم كاذباً ... فقد عرفتُم ذاك من أمري .
فما لقلبي أبداً ضارباً ... وما لدمعي أبداً يَجزي .
ما بُحتُ بالحُبِّ ولكنّني ... وما بجَفْنيكَ منَ السِّحر .
أخافُ من قولكُمُ قد سلا ... فأُطلِعُ الناسَ على سِرّي .
وله أيضاً : .
قد كتمتُ الحبَّ حتى ... لم أجدْ قلباً مُطيعا .
والهوى أرفَقُ بالصَّب ... بِ إذا كان مُذيعا .
فاغفروا زلَّةَ صَبٍّ ... جعلَ الدمعَ شَفيعا .
وله : .
أصبحتُ في الحبّ كما قد ترى ... مُعذّباً ما بينَ عُذّالي .
أُعِدُّ ما شِئتُ ليوم اللِّقا ... مِلآنَ من قيلٍ ومن قالِ .
حتى إذا أبصرتُهُ مقبلاً ... لم يَخطُرِ العَتبُ على بالي .
وله : .
يا ليلُ هل لمُتيَّمٍ ... عرفَ الإساءة من مَتاب .
لا يستطيع لِما جَنا ... هُ عليكمُ ردَّ الجوابِ .
أطعمتَه حتى إذا ... وَلجَ الهوى من كلّ باب .
أعرضْتَ عنه ملامةً ... وقطعْتَ أسباب العِتابِ .
ومنها : .
فارقْتُ مضمضةَ الركى ... ثَمِلاً على زَلقِ الهضاب .
في فتيةٍ بيض المفا ... رق والخلائق والقِباب .
نفسٌ يكادُ لحُبّها ال ... إقدام يَخرجْ من إهابي .
كالسيف أذلقَ حَدّه ... من غُمده سأمُ القِرابِ .
ولما لقي يومه وافق ذلك وفاة الإمام أبي الحسن علي بن طالوت البلخي وكانا معاً فَردَي دهرهما وأوحدي عصرهما فرثاهما شرف السادة أبو الحسن البلخي رحمة الله عليه ورضوانه بقصيدة فريدة نظمتها في سلكٍ ولزَّتهُما في قَرَنٍ واشتملتْ على كلّ معني بديع ولفظٍ حسن وهي : .
لا يسلم العُصم في حَلقاءَ راسيةٍ ... طَودٍ ولا الحُقُبُ في يَهماءَ سُبروت .
ولا يَقي الحوتَ في آذيِّ ملتطمٍ ... دغاع دُفّاعه عن مُهجة الحوت .
من المنون إذا نابتهما حَنقاً ... حتى يُتبّعَ مكبوتاً بمكبوتِ .
فذا صريع نصالٍ قد رُصدن له ... وذا أسيرُ حِبالٍ بَثّها النوتي .
وهل سمعتَ بشعبٍ غير منصدِعٍ ... على الزمان وحبلٍ غير مَبتوتِ .
نكا ابنُ غاضرةٍ إذ شدّ أرحُلَهُ ... قَرحاً بقلبي من شَدّ ابنِ طالوتِ .
ما أنصفَ الدهر إذْ أغرى بواحده ... فجيعتين ؛ بمُغتالٍ ومَبغوتِ .
نجمان في أفُق الآداب قد أفَلا ... والدهرُ يُرجِعُ يوماً كلّ ما يُوتي .
كانا إذا نطقا في مَشكلٍ فَتَقا ... وأوضحا كلّ منطوقٍ ومسكوتِ .
كانا إذا نَظَما عِقداً بلفظهما ... أزرى العُقود بمرجانٍ وياقوتِ