وبحرِ ظَلامٍ خُضتُ لُجَّ غِماره ... وخَوّضتُ فيها الأعواجيَّ المطهّما .
سَبوحاً كساهُ الليل فضلَ ردائه ... وسَّمّه الإصباح حتى توسّما .
يُباري الصَّبا إمّا بسطتُ عِنانه ... وهَضْبَ شَرَوْرى إنْ أردتُ تَلَوُّما .
وله من نظامية أخرى : .
وركبٍ كأمثال الحنايا بَرتْهُمُ ... على ما بهم أيدي السُّرى والسباسب .
تُجشُّمُهم أغراضهم كلّ مهمهٍ ... وليسَ لها إلاّ المَعالي مآربُ .
إذا وردتْ بحر الوزير ضوامراً ... فقد ودّعتْ كوارهُنّ الغوارب .
وقد يُطلب المجد الممنَّع بالمُنى ... ولكنّ سُمّار الأماني كواذب .
وكتب على ظهر هذه القصيدة : .
هجرتُ على رغمِ الزمان مَواطني ... كما هَجرَ الليثَ الهصور عرينَهُ .
ويمّمتُ من شمس الكفاة مَشارعاً ... لأشربَ من ماء المَعالي مَعينَه .
ولمّا ثنى فرطُ المهابة مِقْولي ... لينثرَ من دُرّ القريض ثمينه .
جَلوتُ على القِرطاس وجهَ قصيدتي ... لتخدُم في التقبيل عنّي يمينَهْ .
قلت : تلك البائية لبَطانةُ سُندسٍ والأبيات على ظهرها لَظهارة استبرق وهما من ثياب الجنة .
حَمدُ بن الحسن بن عبد الرحمن الدُّويني المتصوّف .
مرّت بي قصيدة له صاحبية أثبتُّ منها هذه الأبيات : .
طيفٌ ألمَّ بمضجعي فتستّرا ... زاوزرَّ عني مُعرضاً متنكّرا .
أنكرتُ عادته فخُيّل هاجِسي ... أنّ المشيبَ عَداه لما أبصرا .
ما كنت أعرف قبلُ طَيفاً يَحتذي ... أخلاقَ عَلوةَ في الصُّدود ليهجُرا .
ومنها : .
لو كان ظلمُ الشيب ظلماً يُتَّقى ... لرجَوتُ للعَدْوى الوزيرَ الأكبرا .
إني اكتفيتُ من الورى بلقائه ... إذْ كان كلّ الصيد في جَوف الفَرا .
ولطالما قد كان عودي ذاوياً ... فاهتزّ من سُقياه غَضّاً أخضرا .
يهبُ الجياد بلُجْمها وسُروجِها ... ويُرى المؤمِّل في الهِباتِ مخيَّرا .
ويُهينُ عزّ المال في طُرقِ الندى ... من غير ما عِوَضٍ سِوى أن يُشكرا .
ومنها : .
لمّا رأتْ شمسُ السماء ركابنا ... ودّت لعزِّ مسيرنا أن تُكْترى .
أبو نصر عبد الرحمن بن علي .
المهلبي الصوفي .
يقول في الحثّ على إبصار الغاوي وإقصار الغالي بعد طلوع النذير وإيماض القَتير : .
ضَلالٌ إنْ جَنحتَ إلى التصابي ... وقد جاوزتَ خامسةَ العُشور .
فأقصِر إن عقلتَ فكل آتٍ ... قريبٌ بعد إيماضِ القَتير .
القسم الثالث .
في فضلاء العراق .
الملك العزيز أبو منصور خُسرو بن فيروز .
بن جلال الدولة .
كتب إلى أبي محمد عليّ بن الأزهر بن عمرو بن حسان وقد بعُد من واسطٍ ونزل بالموصل وفارقه أبو محمد هذا : .
قُلْ لابن حسّان عنّي قولَ ذي ظمأٍ ... إلى اللقاء : لقد فارقْتَني سَفهاً .
إنْ كان شيبُك ينهى عن مُواصلتي ... فبئس والله ذاك الشيبُ حين نَهى .
لئن فقدْتُك في قومٍ أُصاحبهُمْ ... فقد فقدْتُ منَ اللَّذاتِ أطيبَها .
فأجابه أبو محمد رحمهما الله : .
وما كان بُعدي عنكَ إلا تألُّفاً ... لقلبك أنْ يَحنو عليّ قَليلا .
وإنْ يُقصُرَ الواشون عن ذات بيننا ... فقدْ أكثروا قالاً عليَّ وقيلا .
فشرّدتُ نفسي في البلاد تَغرُّباً ... أجوبُ حُزوناً تارةً وسُهولا .
وأُفحِمتُ حتى لا أُبينُ تكلُّماً ... وأُسقمتُ حتى لا أَبينُ نُحولا .
ولم يجدِ الأعداء فيَّ غَميزةً ... لرأيك لمّا كان فيَّ جَميلا .
فلا قلتُ شعراً في سواك وإن أكُن ... كذبتُ فلا صادفتُ منك قَبولا .
وأنشدني الشيخ أبو محمد الحمداني قال : أنشدني الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن فضلان له : .
يُذكّرني بردُ النسيم وطيبُهُ ... منازلَ من بغداد همتُ بها وَجْدا