رضيتُ بحُكم الحُبّ في القرب والنَّوى ... ودِنتُ لأمرِ الحِبِّ في الوصْلِ والهجْر .
وما ابتعتُ فيه غيرَ خَصمٍ من الأسى ... ولا بِعتُ فيه غيرَ عونٍ من الصبر .
ولو لن أمرَ العين والقلب في يدي ... لكنتُ أخذتُ العُذرَ من حُبّي العُذري .
ولكنّ لي عيناً وقلباً تحالفا ... مع الحُب في نفسي فلم يُغنيني حِذري .
تُخبِّرُ عَيني عين قلبي بما ترى ... ويقبلُ قلبي ما تراه بلا خُبْر .
هو الحبُّ قبلي كان إذ أنا لم أكنْ ... وكان مُطاعَ الأمر ممتثلَ الزَّجْر .
ومن أجله داودُ أسخطَ ربّه ... وباءَ بثِقْلِ اللوم والإثم والغَدر .
فإنْ أنا من أَسْراه أصبحتُ واحداً ... فقلْ في سبيل الله كَوني في الأسْر .
الأستاذ أبو المحاسن الحُسين بن علي بن نصرٍ .
لما نزل الصاحب نظام الملك بباب تِبريز خدمه هذا الأستاذ بهذه اللاميْة : .
لو ساعفتْني سَلوةٌ بتعلُّلِ ... لفككْتُ نفسي من وِثاقِ العُذَّلِ .
ولرحتُ عن ثِقَلِ الغرام مُرفَّهاً ... ولكنتُ من حَمل المَرام بمعزِلِ .
تحبو الثُّريا في السماء كعُصبةٍ ... تَرِدُ ازدِحاماً في اقْتحام المَنْهل .
والفَرقدان تخطّيا وتمطَّيا ... وكِلاهما يَرنو بطَرْف الأنْجَل .
والبدرُ يسبحُ ساحباً أذيالَهُ ... والصبحُ يُنذر بانتضاء المُنْصُل .
وذلاذلُ الأغصان تُقلقُها الصَّبا ... فكأنّها انتقضت لعارضِ أَفْكَلِ .
والطيرُ تتلو من عواشِرِ لجنها ... والريحُ تلعبُ فوق دِرع الجَدول .
والكأسُ قارعَها المزاجُ فأنشأ ... تقطعَ اللُّجين من الضِّرام المشعَلُ .
والشَّربُ غالَهُمُ المُدامُ فأصبحوا ... يتخافتون عن اللسان المثقَل .
والعودُ قارضَني بشكوى معبدٍ ... زَجَلاً وخاطَبني بنجوى زَلزَل .
شوقٌ يغادرُنا بدارةِ جُلجُلٍ ... وبدِمنةٍ بين الدَّخول فحَوْمَل .
سمْحٌ إذا ما جادَ أنشأ جودَه ... من عارضٍ هَزِجٍ الهَديرُ مجلجِل .
حَدِثٌ إذا افتتح الكلامَ حسبْتَه ... يتلو عليكَ من الكتاب المنْزَل .
تَفديه أنفسُنا إذا ما راقَنا ... إيماضُهُ من منظَرٍ مُتَهلِّلِ .
فالهمُّ يُقلعُ والضَّلالةُ تمَّحي ... والظُّلمُ يُنجم والعَمايةُ تنْجلي .
متعرِّضٌ طَوْراً بخُلْقٍ مُصْلَتٍ ... ومعرِّضٌ طوراً بآخرَ أمثَل .
فشراسةٌ موصولةٌ بسجاجةٍ ... كالراح تكسرها بعذبٍ سَلْسل .
لم تَزْهُ أشرافُ الكواكب من عَلٍ ... مُذْ حازَ أشراف المناقب من علي .
ما زال يثقُب كلَّ صعبٍ رأيُهُ ... حتى تفكَّك منه جِرم الجَنْدل .
قال الذي من قبلِ هذا لم يُقَلْ ... فَعلَ الذي من قبله لم يُفعَل .
فالشرقُ يشكرُهُ بأعذبِ منطِقِ ... والغربُ يذكرُهُ بأفصحِ مِقوَل .
ومنها : .
أوطأت أرضَ الروم جيشاً مقبلاً ... لا يسألون عن السَّواد المُقْبلِ .
من كلِّ ملتهبِ العُرام مُجادِلٍ ... رَكِبَ الحصانَ كأجدَلٍ في مجدل .
قلت : انظرْ كيف جمع بين المجادل والأجدل والمِجدل : .
شرس التخطُّف كالعُقاب المعتدي ... عجل التوصُّل كالظليم المرْقِلِ .
دوَّختَ منها كلَّ صَرحٍ مانعٍ ... وفتحتَ فيها كلَّ بابٍ مقفل .
عادَ الخليجُ بها شُعاعاً شائعاً ... وشعاعُ قَرنِ الشمس لمعُ المنْصُل .
فالجُردُ تحطُمُ والفَوارسُ تدَّعي ... والسُّمر تخرُقُ والصوارمُ تختلي .
غزوٌ كسا الإسلام وشْيَ نضارةٍ ... ناهيك من غزوٍ أغرَّ مُحجَّل .
يثْني ويُثني المسلمون كأنهم ... يُثنون منكَ علي نبيٍّ مُرسَل