أَلمَّ وفيما بيننا من بلاده ... رمالٌ بأيدي اليَعْمَلات تُهال .
بنفسي خَيالٌ ما يزالُ يشوقُني ... إلى جَوِّها ممّن هَويتُ خيامٌ .
ولولا وفاءُ قد فُطرتُ بدينه ... لما شاقَ قلبي جَنْدلٌ ورمال .
فلله عزمٌ كالأسنّة في الحَشا ... له بين أحشاء الخُطوب صيالُ .
يعافُ لحاظَ الماء ما هانَ وِردُه ... وإن شاقه ممّا يُريغُ بِلال .
وما للفتى في الوَفرِ إنْ صينَ مفخرٌ ... إذا عاد ماءُ الوجه وهو مُذال .
أَثِرْها ولا تنظُرْ عواقبَ مُشْفقٍ ... وفي كل أرضٍ مسرَحٌ ومَجالُ .
ولا تخشَ أن تَظما إذا عَنَّ مَوْرِدٌ ... فما كل ماءٍ بالبسيطة آلُ .
وحُلَّ حُبا العزمِ المصمِّم في العُلا ... فسعيُك في طُرْق الخمول ضَلال .
وخُضْ غَمَرات البيدِ فالركبُ أسهم ... نضَتْها الحَنايا والذميلُ نِضال .
وكلُّ دمٍ أجرى لها السيرُ ... بحكم العُلا يا ابن الكرام حلال .
ولا تبغِ أوشال القناعة إنها ... لباغي المعالي غُصّةٌ وعِقال .
ولُذْ بنظام المُلك والمجد إنه ... لكلّ البرايا ملجأٌ ومآل .
حُسامٌ ولكنْ ليس تنبو شِفارُهُ ... وبحرٌ ولكنّ المعين زُلال .
له صَهَواتُ الجُرد من كل سابقٍ ... محلٌّ ومن سمرِ الرماح ظِلال .
إذا همَّ لم يَصحبْ عزيمةَ همِّهِ ... إلى مقصدٍ إلا قناً ونِصال .
مَساعٍ على الأفلاك منهُنَّ رونَقٌ ... وللدهرِ منها مفخرٌ وجلال .
أبو نصر منصور بن مِمْكان التَّبريزي .
اختصّ من بين أهل تِبريز بالتِّبريز وسَبكِ المعاني سبكَ الذهب الإبريز وفيما أوردتُه باسمه من هذه الكافيّة كفاية إذ ليس وراءها في الإحسان غايةٌ ولا لها في حسنها نهايةٌ وهذه أولُ قصيدة رقيتْ إلى السمع العالي بديار الشام لا يزال مقرّطاً بجواهر الكلام : .
أللعينِ بين البيض والسمر مسلك ... إلى هودجِ واراهُ ريْطٌ ممسَّكُ .
يخفّ به شَوكُ الأسنة والظُّبى ... كما خفّ بالشمس الشعاع المشوَّك .
معناه أن الشمس إذا صُوّرت نُقشت مشوّكة الأطراف : .
يَزينُ سنامَ الأرحَبيِّ جمالُهُ ... كما زان صدرَ الخَوْد ثَديٌ مُفلَّك .
متى اكتنَّ بيضة الخدْر رفرفتْ ... حواليه طيرٌ للقلوب فتُشبَك .
قوله : تُشبك أي تقع في الشبكة . وما أحسن ما لفّق بين البيضة والطير والشبكة بألفاظٍ نظمتْها ومعانٍ جمعتْها ! .
: .
ومما يُعنّي أنّه متستِّرٌ ... وكل الورى من عشقه متهتِّكُ .
تمثَّل لي منه من الحُسن هيكلٌ ... وضَلَّ به منّي من العشق مُشرك .
فمن مُبلغٌ عنّي العواذلَ أنني ... بتعظيمه ما عشتُ أغرى وأُسدَك .
أُقِرُّ بأنّ الخلدَ فيه مصوَّرٌ ... وأشهد أن الحسنَ فيه مُفَذْلك .
يسير ويَسْري للأصادق والعِدا ... وعند الرِّضى يُنجي وفي السخط يُهلك .
ويزداد بأساً بالنُّحول كأنّما ... يُعدّ نَهيكاً كلُّ من بات يُنهك .
تملّكتُ رقيّ وهْو رقُّ ابنِ همَّةٍ ... أبى جِسمُهُ وشْياً بذُلٍ يُحَوَّك .
ومما دهاني أنّ شِعري منقَّحٌ ... وأنّ الذي يُبتاع شِعرٌ مُركَّك .
يجول غريباً باسميَ الشعرُ دائباً ... وفي كل قلبٍ بنفسُه تَتَبنَّك .
وكافيَّتي كافيةٌ لا أبيعها ... بكافيةٍ فيها الوِراك وتَرْوَكَ .
ولو أبصرتْني عينُ راكبٍ تَرْوَكٍ ... إذاً لرأت بي سابقاً ليس يُدرك .
بنو اللطف أبناءُ الهوى سادةُ التَّجْرِ ... قلوبهُمُ تَغلي وأعينُهم تَجري .
أنا الشيخُ منهمْ كم تَجَرْتُ فلم يكنْ ... بلا دمعةِ جَفني ولا لَوعةٍ صَبري