وجُبتُ يَهماءَ لِجِنّانِها ... فيها عَزيفٌ دائمٌ كالبُغام .
على أمونٍ جَسرةٍ عِرمِسٍ ... أدماءَ كالفَحُلِ الشَّديدِ العُرام .
ومنها : .
للِعِلم في أيامِه أبحُرٌ ... عَجّاجةُ الأمواج زُرقُ الجِمام .
وأهلة قد شِيدَ منهُ لَهمْ ... عِزٌّ نَزَيهُ الذّكرِ عن أن يُذامّ .
شادَ لهم داراً فأضحَوا بها ... في عزَّةٍ ترفعُهم واحتشامْ .
في أرضِ بَغدادَ التي أُسستْ ... مدينةً معروفةً بالسلام .
أضحى على الجهلِ لهم مُذ نَبتْ ... تَحكُّمٌ يدمغُه وانتقام .
نالَ العُلا من سادةٍ قادةٍ ... لِمعظم المجدِ عَليهم دَوام .
وللمعالي مذ تَسَدَّوا لها ... مُتَّسعٌ ما بينَهم والتئامْ .
يا مَن له بالمُعْتفينَ الأُلى ... لاذُوا بأكنافِ نَداهُ اهتمامْ .
ها بِنتُ آدابيَ بِكراً فقد ... هذّبتُها مثلَ عروسِ الخِيام .
كأنَّها في نظمِ أبياتِها ... عِقدٌ تَوالى فيه دُرٌّ تُوام .
إليكَ فاقبَلهْا فإنّ الذي تُعطيهِ يَفنى ويَليهِ انصِرام .
وكَمِّلِ المَهرَ لها إنَّها ... تُبقي جديدَ الذكرِ ما امتدَّ عام .
أبو محمد القاسم بن بدر شامي يسكن آذربيجان . كتب إلى أبي طاهر الشيرازي وكانا متجاورين في بعض الأماكن . فخرج أبو طاهر في بعض الوجوه فكتب إليه أبو محمد : .
أذاقتنيَ الدُّنيا مَذاقَ اغتِمامِها ... بِتَجريعِ كأسٍ من فراقِ إمامها .
فَمِن وصلهِ يَسمْو بياضُ نهارِها ... ومن بُعدِه يَبْدو سَوادُ ظلامها .
تَصرَّفُ بي أيدي النَّوى بعدَ بُعدِه ... تَصرُّفَ كفِّ بالَغَتْ في اهتضامِها .
فحتّى متى فيهِ الفراقُ مُخاصمي ... ونفسِيَ في أسرِ النَّوى وخِصامِها .
تَقاذفُ أنواعُ الأسى بيَ بَعدَه ... كمفْطومةٍ عانَتْ عناءَ فِطامِها .
فليتَ صِيامي ضُوعِفَتْ دُهورُه ... وعَينيَ منه لم تكنْ في صِيامِها .
ويا ليتَ عيني لم تُفارقْ وصاَلهُ ... وقد فارقت عنه وصال منامها .
صفقت دموعي فوق خدي كأنها ... للآلىءُ منها أرسلتْ في نظامها .
تَمكَّنَ في نفسي هَواهُ وإنَّهُ ... لأوثقُ في أعضائها من عظامها .
فإنْ عُدَّ في دَنياهُ من جِنسِ أهلِها ... فجَوهَرةُ الياقوتِ بعضُ رُخامها .
وأرفَعُ ما في أرضها التِّبرُ قيمةً ... ولكنَّه المدفونُ تحتَ رَغامها .
وله أيضا إلى أبي طاهر الشيرازي : .
إنَّ أُنسي بقُربِ دارِ الإمامِ ... أُنس نَبتِ الرُّبى بقَطرِ الغمام .
خافضٌ للجناحِ سامٍ كبدرٍ ... حُطَّ منهُ ضياؤُه وهوَ سام .
حَسَدتْ أنجُمُ السماءِ جميعاً ... حُسنَ أخلاقِهِ الحِسانِ الوِسام .
الضَّحَّاكُ بنُ ناجِمٍ الأنصاريُّ .
من أولاد جابر بن عبد الله مولده الرملة أنشدني شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني Bه قال : قصدني هذا الأنصاريُّ بقصيد قالها فيّ وهي : .
يُغْري المحَّ بمن يَهوى مُفَندُهُ ... ويَحملُ العبَْ عنهُ فيهِ مُسعدُه .
والحُبُّ كالسَّمنِ في شَهدٍ يلذُّ بهِ ... مُشتارُهُ وهوَ مُضنيهِ ومُكمِده .
قَلَّ الصديقُ وإنْ أصبحتَ تَعرِفُ لي ... مَكانَه فأبِنْ لي أين أقصدُه .
كم قد عرفتُ صديقاً بعدَ مَعرفتي ... إيّاهُ صِرتُ فِراراً منه أجحَدُه .
كفرتُ بالوُدِّ منهُ حينَ أو حَشني ... وكنتُ وجْداً بهِ في النّاسِ أعبُدُه .
وكُلَّما زادَ قلبي في تلهُّبه ... غَيضاً عليهِ أتاهُ الوُدُّ يُبرِدُهُ .
كم قدْ رددْتُ لساني عن مَثالِبِه ... وفي الفؤادِ لهُ هَجْوٌ أردِّدُه .
لولا الحِفاظُ وأني لا أضيِّعُهُ ... أصبحتَ تَرحم بي مَن أنتَ تَحسُدُه