المعروف بالكرماني ثم الزوزني نبغ بزوزن فاستوى بها شبابه وكملت آدابه وارتقت درجته إلى الترتب في ديوان رسالة الأمير قرا أرسلان بك . فانتصب هناك مدةً واكتسب رياشاً وعدةً . وأخصبت حاله ومال إلى جانب الوفور ماله ورجع كرات في خدمة الركاب الأميري إلى زوزن فيجمل بمرأىً من أهل مدينته وخرج على قومه في زينته والأجل من ورائه ينظر شذراً إليه والأمل بحذائه يضحك عليه . فاختضر بكرمان أنضر ما كان شباباً وأكمل ما كان آداباً . وكان C مفتوناً بشعري وربما كتب إلي وتطفل في الصنعة علي . وكانت عندي سوادات من منقولاته من مقولاته امتدت إليها أيدي الضياع وأنا متلهف عليها ومتلفت إليها . وعلق بحفظي ذرو يسير من بعض مقطعاته . فمنها بيت قاله في قرية لاز من ناحية خواف لما شن الغارة عليها الأمير قر أرسلان وهو : .
خوت خواف وأهلها شينوا ... مذ صار لاز وزايها شين .
ومنها وقد علق بحفظي بيت قاله في غلام من ملاح شورق زوزن وهو : .
لا تنكرن ملاحةً في وجهه ... فالملح من منشاه ينقل نحونا .
وأنشدني الشيخ أبو محمد الحمداني قال : أنشدني أبو سهل لنفسه : .
هاك دمعي يفيض ما شئت فيضا ... وعزائي يغيض ما شئت غيضا .
يعلم الله أنني بك صب ... مستهام وأنت تعلم أيضاً .
أبو نصر صاعد بن الحسين الأعلم .
هو ابن الفقيه أبي عبد الله بن أبي غسان . أنشدني لنفسه : .
لكل من بني حواء دين ... وديني حب أصحاب الحديث .
فكم مجد حويت بهم وجاه ... مشيد من قديم أو حديث .
متى أهدي الثناء إلى سواهم ... ففندني ولا تسمع حديثي .
قلت : التدين بمذهب الشافعي Bه غريب من فقهاء زوزن إلا أن هذا العالم الأعلم بشمس أرضه أعلم ولا منازعة في اللذات ولا خصومة في الشهوات والعاقل يختار الخيار ويعتام الثمار . وفي المثل : " دليل العقل ما اختاره " . وهذا الفاضل قد أحسن اختياره وجمل بمدح أصحاب الحديث أشعاره وأعلن بها في الناس شعاره .
الفقيه أبو علي الحسن الشجاعي الأعلم .
كنت بزوزن سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ووالدي رحمة الله عليه بها وفضلاؤها يجاورونه طوراً ويحاضرونه مرةً ويجاذبونه أهداب الآداب تارةً . فكان مما كوتب به أبيات لهذا الفقيه لم أحفظ إلا مفتتحها وهو : .
جاء من باخرز قرم ... وجهه يحكي الهلالا .
خلعت حسناً عليه ... قدرة الله تعالى .
فأجابه والدي بأبيات محذوة على الابتداء وزناً وقافيةً أولها : .
أنت بدر يتلالا ... ليس منقوصاً هلالا .
ونبغ له ولد فاضل وهو : .
أبو بكر أحمد بن محمد الشجاعي .
فبرع في الفقه والأدب وعارضهما مقضي الأرب وأهدى إلي من أشعاره الواعدة شمائلها المومضة مخائلها نبذاً استصلحت منها لكتابي هذه قوله : .
لا تيأس من نيل فضل يبتغى ... فالفضل في كل البرايا مشترك .
وصد المعالي بالتواضع جاهداً ... إن التواضع للمعالي كالشرك .
وقوله : .
لا تعاشر معشراً ضلوا الهدى ... فسواء أقبلوا أو أدبروا .
بدت البغضاء من أفواههم ... والذي يخفون منها أكثر .
وقوله : .
ولما غاب عني غاض صبري ... وفاض الدمع عن عيني فيضا .
وقالوا : لست تملك غير صبر ... فقلت : ولست أملك ذاك أيضا .
وله من قصيدة استعطاف : .
يقول إذا أردت بنا جفاء ... حوالينا الجفاء ولا علينا .
وهب أن القريب غدا غريباً ... فأين تفضل السادات أينا .
ولا تشمت بنا الأعداء إنا ... تأزرنا بودك وارتدينا .
الربيع بن البارع .
ابن أبيه وهذا من أبلغ التشبيه . وقد برقت عقيقة سحابته لا بل ظهرت حقيقة نجابته . كتب إلي : .
علي صديق أبي كاسمه ... علي بحلى العلا متسم .
يجود لسؤاله ضاحكاً ... كما المزن منهمراً يبتسم .
وكنت بزوزن والربيع بن البارع طفل بعد ما مشى ولم يعد . فكتبت إلى أبيه في معنى خبر منه أستهديه . وعاتبته على تركه الزيارة وحرمانه الضيف وقد حل بطن تباله :