يا بارعاً ليس يزور ضيفه ... ولا يريه في المنام طيفه .
أخبر فوجدي بك سل سيفه ... عن الربيع والشتاء كيف هو .
أبو الحسن علي بن عبد العزيز العماري .
جعلته خاتم هذه الطبقة من الفضلاء كما جعل الله نبيه محمداً خاتم الأنبياء . وهو من ليس بزوزن اليوم ولا في زواياها من بقاياها مثله ولهذا اشتهر ببلاد خراسان فضله وانضاف إلى أولادي مدة يفيدهم مما أفاء عليه الله من آداب منسوبة إلى الأئمة فذهب مندوب إليها كل عالي الهمة وكم فحصته عن اللغة فإذا هو أصمعيها وخليلها وعنده دقيقها وجليلها يسأل عنها فلا يحك لحيته ولا يعتل . وتدخل معه غوامضها الحمام فلا تبتل . ولم يكن يقر عندي بأن له في قطيع الشعر سخلاً وفي سواد النظم نخلاً حتى أنشدني له تلميذه الحاكم العالم أبو الفضل هارون بن أحمد الباخرزي بيتين وهما : .
وما أنس لا أنس حبيبي ذاهباً ... وصبري وأين الصبر لي معه ذهب .
فما زال يذري فوق خديه لؤلؤاً ... وعاشقه يجري عقيقاً على ذهب .
قلت : كنت قد قدرت في نفسي أنني ختمت بهذا الفاضل فضلاء زوزن فلما وصوصت لزوزن علمت أني أخطأت في التقدير ونسيت في المربط أفره الحمير . وكل من الزوازنة جواد في المضمار إلا أن المثل هاهنا للحمار ومساق التشبيب إلى الأديب الأريب : .
أبي الحسن علي بن محمشاد .
وهذا رجل كان أبوه شيخاً صالحاً يخزن أشفية الخمار في كيزان الأحجار ويذوي على رؤوسها معاجرها ويخنق بذوائبها مناجرها وكان يوسع بضاعته على أهل بلده وينفق ما يكتسب منها على تأديب ولده حتى برز بحمد الله لا بحمد الناس سخنة النواظر ومثلة للبادي والحاضر . وله شعر بل سحر وعنبر زوزن له شحر والعنبر زعموا روث وبشعره من هذا العطر لوث . وهذه كلها من باب المطايبة وإن كانت عند الناس من أسباب المطالبة ولا أرى به من تخميش هذا القرص أثراً ولا أعرف له تحت هذا القضيم مدراً . فمما يحضرني من هذيانه الذي أخذه من فور الطبع وغليانه وكتب به إلى بعض السادة يعاتبه : .
حضرت الباب مرات ... وما صادفت إمكانا .
وماذا ضر لو كان ... يرينا الوجه أحياناً .
أإذن لي في العود ... أطال الله مولانا .
كاد يقول : أطال الله بقاء مولانا فوهى السقاء وسقط من دروزة البقاء . ولعل مخاطبه كان قريب النعل من العمامة مختصر ما بين القدم إلى الهامة لو زل من استه بيض لما انفلق من قشره قيض . فدعا له هذا الفاضل بإطالة القامة وهذه معذرة فيها لذنبه مغفرة لا أخلى الله من البعثرة قفاه ومن الزبطرة فاه بمنه وسعة طوله .
أبو سهل علي بن أبي معاذ الماثير ناباذي .
عربي الأشعار عجمي النجار . ولم يتفق اجتماعي معه إلا أني لم أزل استهدي الركب أخباره والرواة أشعاره واستنشق نسيماً يؤدي نبأ سلامته وأشيم وميضاً يبشر بخصب العيش في جنبته حتى وقعت به الواقعة وحركت الحلقة على بابه القارعة . وفتك به الأمير أبو المظفر الماثير ناباذي في جوف الليل وهجم عليه بالثبور والويل هجوم الأبهمين من الحريق والسيل . فأورد السيف وريده وخضب بدمه حديده فشق عليه الفضل صداره ولطم بعنابه جلناره . ولم أجد من شعره ما أسمط به قلادة ذكره اللهم إلا بيتين من مطلع قصيدة له في الرئيس أبي القاسم عبد الحميد بن يحيى وهما : .
اركب الظهر واستعن بالحرائر ... واستشر في النوى ظهور الأباعر .
وتنكب قوساً وقلد حساماً ... واعترض سبسباً وحرك عذافر .
وكتب على ظهر هذه الرائية : .
قل للرئيس سراج الأرض والزمن ... شيخ الهدى شفعوي النسج والسنن .
نظمت فيك قريضاً قام منشده ... فليأذن الشيخ من إذن ومن أذن .
ولعلي أستثير أخواتهما من مكامنيهما وألحق منها بكتابي ما يكون غراراً في أجبنة محاسنها إن شاء الله D .
الفقيه الإمام أبو عمرو محمد .
بن علي الماثير ناباذي