هو من تلامذة أبي القاسم الحسن بن أسد العامري اقتبس العلم من أنواره واغترف من بحاره وغاص في النظم والنثر على المخ في العظم وعاش في قريته جند فرشاذ من ناحية باخرز . منفقاً نهاره على الأدب وليله على الطرب . مستميلاً للقلوب بفنونه مسترقاً للأحرار بمروءته إلى أن اتهم برقة الدين والله أعلم بحق اليقين . فاتخذ الليل جملاً واستصحب من تجمله جملاً وهرب إلى مصر ملتجئاً بعزيزها وقضى نحبه بها تغمده الله برحمته . اقترح عليه أن يترجم بيتين بالفارسية قول القائل : .
من بر كه عاشقت كه جنين زردست ... كوئي كه جو من أز صنمش بر درداست .
كيرم كه مشك بوى بوى داد ست ... اين رنك زعفراني زكجا آوردست .
فقال وقابلها حرفاً بحرف : .
بمن شغف الراح مصفرةً ... تراها عراها الذي قد عراني .
هب المسك سوغها عرفه ... فأنى لها صبغة الزعفران .
أبو نصر أحمد بن إبراهيم الكاتب .
برق الأفهام براق الأقلام يلقب بالأعرابي لتشبهه في فصل الخطاب بالأعراب . أدب والدي C فكان أثره عليه أثر الصيقل المعني بشأن الحسام المشرفي وناهيك به من مفلق حسن البيان هزج اللسان . سمعت والدي C يقول وقد سئل عنه : " كانت البلاغة ترنو عن احداقه والعربية تطن بين أشداقه وهو في الشعر من المكثرين المثرين إلا أنه انضم إلى خدمة سمية الأمير أحمد الأعرابي حيناً من الدهر . وتوفي في جملته ببلخ وضاع ديوانه وهنالك لم يبق بأيدينا إلا شوارد تتهاداها الشفاه وتتلمظ بها الأفواه . فمن محاسنة لاميته التي مدح بها شمس الكفاة الميمندي ومطلعها : .
نهى الشيب عما كان ينهى العواذل ... وعارضه شغل من الشيب شاغل .
إذ الدهر عن وصل الحبيبة نائم ... وإذ هو عن حال الشبيبة غافل .
ومنها : .
وبيضاء من سر العقائل طفلة ... تعلم من أجفانها السحر بابل .
يغني عن اللبات منها وشاحها ... وتخرس في الساقين منها الخلاخل .
ومنها : .
وخمر كعين الديك صرف دنانها ... مرازبة من آل كسرى مواثل .
عليهن من طين الختام عمائم ... ومن نسج غزال العنكبوت غلائل .
ومنها في المدح : .
لدى كل حي من لدنه نوافل ... وفي كل حين من يديه فواضل .
تدارك أمراً بعدما اعتاص والتوت ... دوابره والتاث منه القوابل .
وقام بعبء لا يقوم بمثله ... من الناس إلا كامل الرأي بازل .
فأصلح منه كل ما هو فاسد ... وقوم منه كل ما هو مائل .
إذا زاغت الأحكام ثقف درأها ... قضاء له بين الرعية عادل .
تساعده الأقدار فيما ينوبه ... وينصره التوفيق فيما يحاول .
له قلم يغني ويكفي عن التي ... تعد لها سمر القنا والقنابل .
ضعيف قوي الشأن أخرس ناطق ... أصم سميع ناقص الخلق كامل .
عجبت له يجري ويرجع بعده ... فيرقص إعجاباً بما هو فاعل .
ويحمله الواني فيظهر عجزه ... إذا لم يكن طباً بما هو حامل .
بل بعض قراء الدفاتر جاهل ... كما بعض ركاب السوابح راجل .
كذلكم الأقلام في كف بعضهم ... رماح وفي بعض الأكف مغازل .
ومنها : .
ألا أيها الشيخ الأجل ومن له ... سماء على أرض المكارم هاطل .
يؤخرني عن عرصة الفضل أن أرى ... وبابك عن نظمي ونثري عاطل .
فدونك نظمي واصطنعني خادماً ... بين عاجل مني كما هو آجل .
فلا برحت أفناء سدتك العلا ... ولا أخليت منها ومنك المنازل .
فأنت لوجه الجود والمجد غاسل ... وأنت لسيف الدين والملك صاقل .
وأنشدني والدي C قال : أنشدني لنفسه : .
الا لا تبال بصرف الزمان ... ولا تخضعن لدور الفلك .
وساخف زمانك واسخر به ... فما العيش إلا الذي طاب لك .
وأنشدني أيضاً له :