وأحبُّ ذا الوجهين ؛ وَجهاً في النَّدى ... نَدباً ووَجهاً في اللقاءِ وَقِاحا .
وله من أخرى أولها : .
لو جادَهُنَّ غَداةَ رُمنَ رَواحا ... غَيثٌ كَدَمعي ما أردنَ بَراحا .
حانَتْ لفقدِ الظَّاعِنينَ دِيارُهُمْ ... فكأنَّهم كانوا لَها أرواحاً .
وأرى العُيونَ ولا كأعيُنِ عامِرٍ ... قَدَراً معَ القدَرِ المُتاحِ مُتاحا .
ومنها : .
مُتوارِثي مَرضِ الجُفونِ وإنَّما ... مَرضُ الجُفونِ أن يَكنَّ صِحاحا .
يرمي الكتيبةَ بالكتابِ إليهِمُ ... فيَرونَ أحرفَه الخَميسَ كِفاحا .
مِن نفسِه دُرهماَ ومن مِيماِته ... زَرَداً ومن ألِفاتِه أرماحا .
ولهُ أيضاً : .
وأُقِسمُ أنِّي ما هَمَتُ برِيبَةٍ ... لِغانيةٍ إلاّ إذا كُنتُ راقِدا .
ولكنَّني لمَّا رأيتُ جُفونَها ... مُمَرَّضةً أرسَلتُ طَرفيَ عائِدا .
ولو لم تكُنْ أجفانُها صَدَفاً لما ... نَثرنَ غداة البَينِ دُرّاً فَرائدا .
تُوسِّدُني العِيسُ الطَّليحُ ذِراعَها ... إذا لم تُوسِّدني الجَريدةُ ساعِدا .
ويُسعدني سَيفي على كُلِّ بُغيةٍ ... إذا لم أجِدْ في العاَلمِينَ مُساعدا .
وكنتُ إذا ما رُمتُ رعيَ قَرارةٍ ... منَ المَجدِ أرسَلتُ الرُّدَينيَّ رائدا .
وكم رجُلٍ أثوابُهُ فوقَ قدرِه ... وقد يَلبسُ السلكُ الجُمانَ الفَرائدا .
فلا يُعجِبنْ ذا البخلِ كثرةُ مالِهِ ... فإنَّ الشَّغا نقصٌ وإن كان زائِدا .
أبو البركات الشاميُّ .
قال حمد التَّوَّزيُّ : ورد من أهل الشام رجل يكنى أبا البركات ومدح الوزير بقصيدةٍ لا أحفظ إلا مطلعها وهو : .
سماءُ العلا من نورِ وجهِكَ تُشرقُ ... وغُصنُ النَّدى من جُودِ كفِّكَ يورقُ .
الطاهر الجزري .
أنشدني الشيخ أبو عامر الجرجانيّ أبقاه الله أبياتاً له لم تطب نفسي بالتجافي عن لبس حلاها وتخطي رقبتها إلى سواها وهي : .
أنظر إلى خَظِّ ابنِ شِبلٍ في الهوى ... إذا لا يزالُ لكلِّ قلبٍ سابقا .
شَغلَ النساءَ عن الرجالِ وطالمَا ... شَغلَ الرجالَ عنِ النساءِ مُراهِقا .
عَشِقوهُ أمردَ والتَحى فَعَشِقنهُ ... اللهُ أكبرُ ليسَ يَعدمُ عاشِقا .
قوله : الله أكبر آدانٌ ترتاح منه الآذان وحشو رقيق الحاشية وكنت أتعجب من أبي تمام كيف جاد طبعه بالاستطراد من صفة الخيل إلى هجاء عثمان حيث قال من أبيات : .
ولو تَراهُ مُشيحاً والحصى فِلَقٌ ... تحتَ السَّنابك من مَثنى ووُحْدانٍ .
حَلفتَ إن لم تَثَبتْ أنَّ حافِرَهُ ... من صَخرِ تَدمرَ أو مِن وجهِ عُثمان .
وكذلك من البحتري حيث استطرد في اللامية من صفة الفرس إلى هجاء حمدويه فقال : .
ما إن يعافُ قذىً ولو أورَدتَهُ ... يَوماً خلائقَ حَمدويهِ الأحوَلِ .
حتى أنشدني الشيخ أبو عامر الجرجانيُّ قال : أنشدني أبو الكتائب البصرُّي لهذا الجزري ثلاثة أبيات استطرد من كل واحد منها إلى هجاء آخر وهي قوله : .
وليٍ كوجهِ البَرقَعيديِّ ظُلمةً ... وبَردِ أغانيهِ وطُولِ قُرونِهِ .
قَطعتُ دَياجيهِ بنَومٍ مُشَرَّدٍ ... كَعقلِ سُلَيمانَ بنِ فَهدٍ ودينِهِ .
على أولقٍ فيهِ التفاتُ كأنَّهُ ... أبو جابرٍ في خَبطهِ وجُنونِهِ .
أبو العلاء بن عبد الله بن سلمان .
المعرِّيُّ التنوخيُّ .
ضرير ماله في أنواع الأدب ضريب ومكفوف في قميص ملفوف ومحجوب خصمه الألد محجوج . قد طال في ظلال الإسلام أناؤه ولكن ربَّما رسح بالإلحاد إناؤه وعندنا خبر بصره والله العالم ببصيرته والمطلع على سريريه . وإذا تحدثت الألسن بإساءته لكتابه الذي زعموا أنه عارض به القرآن وعنونه بالفصول والغايات محاذاة للسور والآيات . وأظهر من نفسه تلك الخيانة وجذَّ تلك الهوسات كما تُجذّ العير الصِّليّانة . حتى قال فيه القاضي أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي الزوزني في قصيدة أولها :