مهذب العرض سوى أنه ... أبخر في فيه بدت داهيه .
فجيفة الكلب لدى نطقه ... غالية قيمتها غاليه .
إذا رأى في داره خاطياً ... ينيك تلك الحرة الخاطيه .
لم يدخل الحجرة من غيظه ... ثم يرى العفو من العافيه .
قلت : وأقام هذا الفضل في ضيافة الرئيس أبي القاسم عبد الحميد بن يحيى الزوزني رحمة الله عليه حيناً من الدهر . والناس كالسباع الجياع نهشاً وعضاً يأكل بعضهم بعضاً . وهو بحضرته كالنازل على آل المهلب شاتياً يستقبل سعداً آتياً ويعتنق جداً مواتياً . وتخيل له أن ظله قد ثقل فانتقل ولم يحلل من عنده عقال مطية لو عقل لأن ذاك الذي قد تصور له كان ظناً بني على غير الحقيقة والضن لم يكن معهوداً من تلك الطريقة غير أن الأجل ساقه إلى الطبسين فخر بها صريع الحين ورثاه والدي فقال : .
يا غريباً قد مات بالطبسين ... بل غريباً قد عاش في الثقلين .
يا أبا نصر بن منصور الكاتب أفسدت بين دهري وبيني .
لست أعفو تعجيل حينك عن ده ... ري وإن غرني بتأخير حيني .
أبو منصور سعيد بن محمد السعيدي .
كان هذا المذكور من المترفهين المتهمين برقة الدين المنسوبين إلى مطابقة الملحدين ومفارقة الموحدين . ولم يزل طلب الأمير أبي بكر بن إسحق من ورائه يقتفون أثره ويركبون في اقتناصه قوس الطريق ووتره وهو آخذ سمت ما وراء النهر . وقد قذف الرعب في قلبه من صدق الرغبات في صلبه : .
والأمر لله رب مجتهد ... ما خاب إلا لأنه جاهد .
ومتق والسهام مرسلة ... يحيص من حابض إلى صادر .
فلما ألقى عصا المقام ببوزكند من بلاد الترك وشاع بها فضله وعرف في موارد الأمور ومصادرها عقله استوزره الخان ولم يعلم أنه من جانبه يخان . فأخذ يستميل طائفة من الحشم إلى دين الباطنية وينقش في ضمائرهم ما كان في عقيدته من قدم الدنيا الدنية ويهون في عيونهم أمور عواقبهم ويلقي حبال الخلاعة على غواربهم حتى رقى إلى سمع الخان ما هو بصدده من الدعوة إلى دين القرامطة وغرس تلك الأهواء الخاطئة في نفوسهم وتقسيم تلك الآراء الكاذبة بين أفئدتهم ورؤوسهم فنصبه على الجذع بمرمى الأحجار وقاد إليه ذلك المركب من مربط النجار وتضلعت سباع الطيور من أشلائه ولا مهرب من بلاء الله إلا إلى بلائه . ولم أجد من شعره إلا ما أفادنيه القاضي أبو جعفر البحاثي قال : وكتب به من الحبس إلى أخيه أبي الحسن لما أودع القلعة بغزنة : .
وارحمتا لفتى أديب نابه ... أخنت حداثته على آدابه .
لمغفل غر أسير واله ... قد خيمت محن الزمان ببابه .
لأخي أبي الحسن السعيدي الذي ... ما للسعادة جانب بعتابه .
ينشق صدري وحشة لفراقه ... ويذوب قلبي رحمةً لشبابه .
زالت دواعي الأنس غب زواله ... عنا وغاب نعيمنا بغيابه .
ما زال يعجبه المنى حين اجتنى ... بيد الشقاء الحين من إعجابه .
الله جار فتى أديب بارع ... ورع فقيه حافظ لكتابه .
أولعت فيه لسوء بخت مشفقاً ... من خصمه العادي أليم عذابه .
أخشى عليه الدهر صولة أرقم ... صل يمج السم من أنيابه .
وأخاف أن يعدو عليه بجهله ... فيذيقه ظلماً فنون عقابه .
لا بل أؤمل أن يؤوب مسلماً ... فيقر عيني عاجلاً بإيابه .
ويؤوب أنس راحل برحيله ... ويؤول عيش ذاهب بذهابه .
وأما أخوه : .
أبو الحسن علي بن محمد السعيدي