دعوت إلى نصرتي أسرتي ... على نأي داري لا من كثب .
فلم أر لي منهم إذ دعوت ... مجيباً وفي نصرتي منتدب .
فإذ لم يروا نصرنا في الملم ... ببذل اللهى واحتمال النصب .
فأين السؤال بظهر المغيب ... وأين السلام وأين الكتب .
وأين مداجاة أهل الحيا ... إذا لم تكن حرمات المحب .
وله أيضاً يشكو بعض إخوانه : .
وكيف خلوصي من أخ ذي تدابر ... إلى وصله والصرم بالوصل محذق .
وكم دونه للزهو باب بقفله ... وللبغي أحراس وللتيه خندق .
وإن امرأ يزهى على أهل وده ... ويطمع منه في الإخاء لأخرق .
ومما أختاره من مراثيه لابنه قوله : .
برزء سعيد قص دهري قوادمي ... وأطفأ نوري واجتنى ثمر الصدر .
أبان يدي يوم التصاول من يدي ... وهد به ركني وأوهى به أزري .
وما كان إلا روح جسمي فانقضى ... وكيف بقاء الجسم والروح في القبر .
أبعد سعيد والهامين بعده ... خداش وعبد الله كالأنجم الزهر .
أؤمل صفو العيش لاذقت صفوه ... وأهوى امتداد العمر لأمد في عمري .
وله في يرثيه : .
يا واحدي أصبحت بعدك واحداً ... لولا الإله المستعان الواحد .
ماذا أردت إلى أبيك بتركه ... يبكي العدو له ويرثي الحاسد .
ألف المقابر بعد فقدك وحشةً ... لو كان يأنس بالمقابر فاقد .
يدعوك من يأس ولست تجيبه ... وهو القريب وسمعك المتباعد .
أعققته فتركت رجع جوابه ... ما اعتاد منك أذى العقوق الوالد .
وأقل منا المكث حتى نلتقي ... كالحي يسبقهم بيوم رائد .
أبو جعفر محمد بن يعقوب .
كتب إلى بعض شركائه يهنئه بحفر كرم استجده واجراء نهر استمده : .
على الطائر الميمون حفرك للكرم ... أبا قاسم يا معدن العقل والفهم .
وغرسك للأشجار فيه ومدك ال ... سواقي في أطرافه ثابت العزم .
أبو نصر العمري .
حدثني القاضي أبو جعفر البحاثي قال : ولي هذا العمري عمالة زوزن فتخاصم بقال فيها مع آخر من أهلها حتى انتهت الحال بينهما من التخاصم والتنازع إلى التناتف والتصافع . وتقرر عند العمري ظلم هذا السوقي بابتدائه اللجاج والبادي أظلم فأمر حتى أنحى عليه في التشديد . وصب رجله في حلق الحديد . فقال البقال وكتب به إليه : .
جلست بطيئاً والجلوس يضرني ... وفي السوق حانوتي فديتك ضائع .
وكيف جلوسي عند شيخ أحبه ... تغدى وإني مذ جلست لجائع .
ثم إنه تقدم إلى السجان فقال : اذكرني عند ربك . وحمله البيتين ففعل وأوصلهما إليه . فاستدعى البقال وقال : من هذا الشيخ الذي زعمت أنك تحبه فقال : هو السجان وإياه عنيت . وإن كنت في تشديده علي تعنيت فعجل إطلاقه وفك وثاقه . وتعجب من سوقي يرجع من الفضل وحسن التهدي لأسباب الخلاص إلى ما رأى منه . وللعمري هذا شعر المقلين . قال يرثي بعض أصدقائه : .
ماذا أصاب البدر زال ضياؤه ... عنا وأظلم أرضه وسماؤه .
أما السخاء فقد مضى بمضيه ... وبكى له العافي وحق بكاؤه .
إن تطوه أيدي الفناء برغمنا ... فلطالما نشر الكريم ثناؤه .
عبد الملك بن محمد بن محمود .
هو جد الحاكم أبي يعلى محمود بن عون البيرقي وما كان عندي أن له شيئاً من الشعر يروى وسورة من الفضل تتلى وصورة من النظم تجلى . حتى ظفرت في بيت كتب الحاكم أحمد بن الحسن بن الأمير الباخرزي . رحمة الله عليه بجزء مشتمل على أشعاره فاخترت منها قوله : .
يلومونني أني من البين أجزع ... وأني لما قد حل بي أتوجع .
يقولون جهلاً : ما لجسمك ناحلاً ... ولونك مصفراً وعينك تدمع .
فقلت مجيباً ليس في اللوم منفع ... فإن شئتم لوموا وإن شئتم دعوا .
وأقسمت أن لو حل ما بي من الضنى ... بأيوب أضحى والهاً يتضرع