ألا أبلغا الشيخ الأجل رسالةً ... تنبئه أن الديار منازل .
وأن الغني فوق الكفاية فاقة ... وكل حطام ناله المرء زائل .
وأنشدني في مرثية أبيه أيضاً : .
مضى الجود حين مضى ينفع ... فعين العلا بهما ساهده .
حليفان ما اختلفا في الحياة ... ووارتهما تربة واحده .
الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد الحمداني .
صديقي الصدوق ومن جمعتني وإياه السفر والحضر وتواردنا سنين على الصفو والكدر وبيننا للأدب مناسبة تتفق عليها الطباع وللكؤوس رضاع حقوقها لا تضاع . وقد أقام حيناً من الدهر بالعراق ولا غرض إلا أن يشرب ماء دجلة طبعه ويروح بشمال بغداد شعره . ويرجع إلينا مشحون الحقائب بما يستصحبه من فوائد فضلائها محلى الترائب بما ينظمه من فوائد شعرائها . لا جرم عاد كما أراد وأفادا على سبيل العراضة ما استفاد . وإذا رأيت ما رويت عنه استدللت به على صدق مقالي وعلمت أني من نار فضله ونور علمه أشعلت ذبالتي . فمما أنشدني لنفسه قوله : .
لله ساحر ناظريه إذا انتضى ... من جفنه حد الحسام الباتر .
يغتال وامقه بطرف فاتن ... ويصيد رامقه بطرف فاتر .
وكتب إلى عميد الحضرتين أبي الفتح المستوفي : .
يا أيها السيد العميد ومن ... لم يؤت إذراك شأوه أحد .
مجد بهام الجوزاء أخمصه ... وسؤدد لا يشينه فند .
وحق نعماك إنه قسم ... مالي على ما لقيته جلد .
صوم وعين رمداء موجعة ... وفوت رؤياك فوق ما أجد .
وبسط عذري لديك متضح ... إذ صدني عن لقائك الرمد .
فالعين لا تستطيع هائجةً ... تقابل الشمس وهي تتقد .
وله أيضاً : .
أقول لسائل بالغيب عني ... أنا زين المجالس حيث كنت .
وما قصرت في طلب ولكن ... تعالوا أبصروني كيف هنت .
وله أيضاً : .
لو كان يحوي الروض ناضر خلقه ... ما كان يذبل نوره بشبابه .
أو قابل الأفلاك طالع سعده ... ما سار نحس في نجوم سمائه .
أبو منصور عبد الله بن سعيد .
بن مهدي الخوافي .
صحبني بخراسان نهلاً وبالعراق عللاً وخدم عميد الحضرة بالبصرة وكان بها يصل جناحي في الكتابة له . ثم خلانا وفر وتركنا نقاسي ذلك الحر . فمما أنشدني لنفسه قوله من قصيد أوله : .
خدود جلا التوديع منها خدودها ... كما فتقت أكمام ورد مضرج .
ولم أدر بدراً قبلها عض في الدجى ... على عنم بالأقحوان المفلج .
لها جيد آرام وأعجاز مسحل ... وأعطاف ثعبان وألحاظ تذرج .
تضاهي الدجى فرعا وعيناً وحاجباً ... سوى أنها كالصبح عند التبلج .
دخلنا على اللذات من جانب الصبا ... وقلت لأحداث الزمان ألا اخرجي .
وبتنا على رغم الهوى ننشر الهوى ... ونطوي رداء الليل طياً وننتجي .
فلما تجلى الصبح ثارت كأنها ... غزال صريم لا غزالة منبج .
ومن مقتطعاته قوله : .
مخدرة من الخيرات أضحت ... تصان الدهر عن نفس الرياح .
تطل عراصها أسد حراص ... تراب نعالها كحل الملاح .
لهوت بقربها والليل طفل ... إلى أن شاب ناصية الصباح .
فبت ضجيع نرجسة وآس ... وظلت نديم ريحان وراح .
وقوله في صفة قينة : .
غيداء ناعمة لو عقدت ... يد المصافح منها أنملاً قدراً .
مجاذب في التهادي خصرها كفل ... يؤود متناً فلولا اللين لا نبترا .
عطف ترف قلوب العاشقين له ... عطفاً عليه إذا ما اهتز أو خطرا .
يصرح الوهم خديها فلو قطرت ... بالقلب في خطرات الشوق لانقطرا .
قامت على طرب الندمان راقصة ... بالعود ترمح فضل الذيل والخمرا .
فحركت كل قلب ساكن طرباً ... وقيدت كل طرف يرجع البصرا .
لم تلق عين امرئ من قبل رؤيتها ... شمس النهار أقلت في الدجى قمرا