وزر للسلطان طغرل بك أنار الله برهانه مدة ثم لذ بفيه طعم العافية واحلولى ورأى الوقوف في صف السلامة أولى ونفض من الوزارة ذيله كل النفض ومال عن كدها ونصبها إلى الدعة والخفض . وقال فيها بمذهب الاعتزال والرفض بحيث ارتضاه انتقاده لا من حيث اقتضاه اعتقاده . ولولا آثار توقيعات نظام الملك مولانا الصاحب التي استمرت أقلامه منها على الجدد اللاحب وكلما وشت البياض رقماً أغارت الرياض رغماً فلو مر ببابها ابن البواب لخشع خشوع الأواب وخضع خضوع التواب وكأنها لم تخلق إلا لتغذي مقلة ابن مقلة وتغشي الاختلال في مكتوبات ابن الخلال لقلت : إن خط الوزير أبي القاسم أمثل خطوط الوزراء وهو وإن لم يكن من الفضل في قبة السماء ففي القنة الشماء . ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر عيسى وما خطر حبال السحرة إذا ألقى عصاه موسى ومن ذا الذي يخطر بباله أن يبدع مثل تلك التحاسين وقل : هو الله أحد وليست من رجال ياسين . فقد كان حتى قبل الوزارة يتولى رئاسة نيسابور سنين وهو فيها والي أهلها من المحسنين حتى دلت على كفايته الأمارة وقربته إلى سريرها الإمارة . ثم ناوله الصرف طرف حبله فسار في الدهقنة مسير آبائه من قبله وجعل منها يحلب أرزاقه ويجلب أرفاقه مستريحاً إلى ظل التناية مخصوصاً من ملوك زمانه بحسن العناية وملحوظاً من وزرائهم بعين الرعاية . إلى أن طوي قرطاسه وانقطعت أنفاسه . تغمده الله بغفرانه . ورث مولانا عمره وأعمار سائر الناس . ولا زال في الدستوت ما دام أولئك في الأرماس آمين سائر رب العالمين .
وكتب إليه الأديب يعقوب بن أحمد : .
فديناكم كيف الوصول إلى المنى ... بخدمة كل الناس في شخص واحد .
أبي القاسم الشيخ الأجل أخي العلا ... علي بن عبد الله زين الأماجد .
فأجاب عنه من ساعته بقوله : .
تقلدت للأستاذ أعظم منة ... بإظهاره وداً شديد المعاقد .
وغير بديع منه حفظ مودة ... عهدناه قدماً من حبيب مساعد .
وهذا من الكلام الذي يكتب لشرف قائله لا لكثرة طائلة واللفظ لسواي . وقد تبرأت فيه من دعواي . وناحية جوين وإن لم تخرج غير الإمام أبي محمد والوزير أبي القاسم فإن أعداد الكبار الشم الأنوف ربما عدلا عشراتها بالمئين ومئوها بالألوف . وكم من قميص واحد شدت أزراره على خلق كثير ورب خلق كثير لا يملكون من قطمير : .
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها : إن الكرام قليل .
فلم أجد في أرغيان ولا بطوس إلا الشيخ أبا الأبين مكتوماً وحاشا أن ينكتم فضله الأبين وقد تفتح في روض البلاغة نرجسه الأعين وزانها وشيه الأحسن ونسجه الأزين والشيخ أبا الفتوح المحسن المطفي بذكائه البرق المتلسن .
أما : .
أبو الأبين مكتوم بن حي بن قتيبة .
فالغالب عليه النثر مثل قوله في بعض ما اتفقت له من الكلمات القصار المحذورة على مثال الأمثال : رحم الله امرأ أمسك ما بين فكيه وأطلق ما بين كفيه .
وقوله : من جعل وفره مخزوناً حصل دهره محزوناً .
ولم اسمع من شعره إلا هذين البيتين وأنا أشك فيه وهما : .
لله من ظبي كأن جبينه ... والشعر أمن يرتدي التهديدا .
وفؤاده في جسمه يحكي لنا ... صدفاً رقيقاً أودعوه حديدا .
وأما الشيخ : .
أبو الفتوح المحسن بن أحمد الكاتب .
فإنه كاتب الحضرة النظامية المنظور إليه من بين يدي كتاب الأنام المتمكن من ديوان الرسالة في الذروة والسنام . ومن خصائص يراعه الوشاء أن خطه أشبه بخط الصاحب من الماء بالماء فكأنه مصبوب في قالبه . ولم يكتحل به ناظر إلا قال به وغاية منية المتمني أن يقتبس من تلك الطرف طرفاً وكفاه بذلك في الشرف شرفاً . فمن ملحه في الشكاية قوله : .
ضعف الفؤاد وملت النفس ... واختل مني الوهم والحس .
كم فاضل سلس الضراط ونى ... فغدا بألفي حيلة يفسو .
قد كان يقدر مد ضرطته ... فاليوم صار بحيلة يفسو .
وله في بعض ما كتب إلى أصدقائه بالشام : .
كتابي من الشام يا سيدي ... وحسبي من القدس والمشهد .
وقد كنت أطلب خيراً بها ... فقد صرت أنفض منهم يدي .
وله يصف ما عاناه في الأسفار من غلاء الأسعار :