فلك اليوم من قواف حسان ... سرن في المدح سيرها في المراثي .
مع كتب جمعن في كل فن ... حين يروين ألف باك وراث .
قائل كلها بغير لسان : ... رحم الله ذلك البحاثي .
وأنشدني لنفسه في الشيب : .
أرى زمن الشبيبة قد تقضى ... وأخلق برده الغض القشيب .
ووافاني المشيب كما تراه ... فما عيشي وقد وافى المشيب .
الأستاذ الإمام زين الإسلام .
أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري .
جامع لأنواع المحاسن تنقاد له صعابها ذلل المراسن . فلو قرع الصخر بسوط تحذيره لذاب ولو ارتبط إبليس في مجلس تذكيره لتاب . وله فصل الخطاب في فضل النطق المستطاب . ماهر في التكلم على مذهب الأشعري خارج في إحاطته بالعلوم عن الحد البشري . كلماته كلها Bه للمستفدين فوائد وفرائد وعتبات منبره للعارفين وسائد . ثم إذا عقد بين مشايخ الصوفية حبوته ورأوا قربته من الحق وخطوته تضاءلوا بين يديه وتلاشوا بالإضافة إليه . وطواهم بساطه في حواشيه وانقسموا بين النظر إليه والتفكير فيه . وله شعر تتوج به رؤوس معاليه إذا ختمت به أذناب أماليه . فمما أنشدنيه لنفسه قوله في عميد الملك أبي النصر منصور بن محمد غفر الله له .
عميد الملك ساعدك الليالي ... على ما شئت من درك المعالي .
فلم يك منك شيء غير أمر ... بلعن المسلمين على التوالي .
فقابلك البلاء بما تلاقي ... فذق ما تستحق من الوبال .
وأنشدني لنفسه في رمد الحبيب : .
يا من تشكى رمداً مسه ... لا ترفع الشكوى إلى خالقك .
موجب ما مسك من عارض ... أنك لم تنظر إلى وامقك .
وله أيضاً : .
الأرض أوسع رقعةً ... من أن يضيق بك المكان .
وإذا نبا بك منزل ... ويظل يلحقك الهوان .
فاجعل سواه معرساً ... ومن الزمان لك الأمان .
ومن غزلياته الرقيقة التي هي الماء الزلال على الحقيقة ما أنشدنيه لنفسه : .
قالوا : بثينة لا تفي بعداتها ... روحي فداء عداتها ومطالها .
إن كان نجز عداتها مستأخراً ... فلقد تشرفنا بنقد مقالها .
وله وهو معنى متداول بين شعراء العرب والعجم : .
ما خضابي بياض شعري إلا ... حذراً أن يقال : شيخ خليع .
وقد أحسن أبو أحمد اليمامي البوشنجي في العبارة عن هذا المعنى بقوله : .
أقول ونوار المشيب بعارضي ... قد افتر لي عن ناب أسود سالخ .
أشيباً وحاجات الشباب كأنها ... يجيش بها في الصدر مرجل طابخ .
ولم أر جاراً كالشباب تحذمت ... قواه ولم يسمع له صوت صارخ .
وما كل حزني للشباب الذي هوى ... به الشيب عن طود من الأنس شامخ .
ولكن لقول الناس : شيخ . وليس لي ... على نائبات الدهر صبر المشايخ .
وأقرب إلى مساغ الطبع منها قول أبي الحسن المروزي في قصيدة له : .
أز خضاب من واز موى سيه كردن من ... كر همى خشم خورى نيش خور و رنج مبر .
غرضم زونه جوانيست كه زين رنكك بمن ... حالت يسير بجويند ونيابند مكر .
قريب من قوله : .
لعمرك ما كرهت الشيب يوماً ... وعندي أنه شيء يعاب .
ولكني خشيت يراد مني ... عقول ذوي المشيب فلا يصاب .
الشيخ الإمام ركن الإسلام .
أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني .
رحمة الله عليه علمه في العالم علم والألسنة والأقلام كلها في ذكر فضائله ونقش بدائعه لسان وقلم . وكانت أوقاته على الخيرات مقصورة وراياته على العصاة منصورة مقضي الأرب من الأدب مملوء العكم من العلم . اشتق كنية شبله من معاليه وخلى المساوئ لمناويه ومساويه . وقد اختلفت إليه فصارت دهم أيامي بمجالسة غراً وملأت جيبي وحجري وسمعي من حسن عبارته دراً . ولم يسمح لي ولغيري من تلامذته بشيء من منظومه ولا بمقدار ما يتعلل به غيضاً من فيض علومه غير أني عثرت في بعض تعليقاتي على بيتين له رثى بهما واحداً من أصدقائه وجلب بحسن صنعته وشي الأدب من صنعائه وهما :