صاحب البريد بهرات وقد عاشرته بها فوجدته لذيذ المخبر كريه المنظر . يسيغ مرارة كراهته بحلاوة فكاهته . وفي الجملة لا يشبه العنوان ما في الكتاب . وهو من أعيان بلغاء الكتّاب إذا تعاطى القلم لم يكبح لجامه ولم يثن زمامه أو يؤدي الأغراض بأحسن عبارة ويقرطس الأهداف بألطف إشارة . وكان C يكتب في ديوان الأمير أحمد بن محمد بن محمود رحمة الله . فيفيد ديوان رسالته تحصيلاً وجمالاً ويضطلع بأعباء أمانته تفصيلاً وإجمالاً . وله شعر باللسانين وحظ من البيانين أنشدني لنفسه بهرات سنة خمس وأربعين وأربعمئة قوله : .
تبارك ربي ماذا الذي ... يرى الحر من كل نذل سفيه .
يقولون ما لم يقل قائل ... وهل كان في الله ما قيل فيه .
وله : .
وحمامنا مثل الشباب مزاجه ... ومن ذا يؤدي للشباب معانيه .
حكى العدن طيباً والجحيم حرارةً ... وخدامه حور تليهم زبانيه .
وقوله : .
أما ترى الخمر مثل الشمس في قدح ... كالبدر فوق يدٍ كالغيث إذ صابت .
فالكأس كافورة لكنها انحجرت ... والخمر ياقوتة لكنها ذابت .
هما ما هما لم يبق شيء سواهما ... حديث صديق أو عتيق رحيق .
وإني من لذات دهري قانع ... بحلو حديث أو بمر عتيق .
وشرب في بعض المجالس فسمّ وعاش بعد ذلك ليلةً . ثم وإن للأجل جنوداً منها الشراب ونحن من التراب ومصيرنا إلى التراب . ولا بد من أن ينعب بالبين الغراب ويفرق ذات البين الاغتراب .
أبو الغنائم رحمة الله بن إسماعيل .
القرشي الهروي .
من أشراف هرات ومن أصحاب ذوائبها ودراري كواكبها . وقد جعلت له أرض البلاغة ذلولاً فمشى في مناكبها يحفظ أصول الأدب ومجاري كلام العرب . ويختلف إليه الاستفادة جماعة ولا تخلو له من الإفادة ساعةً . كتب إليه القاضي أبو الفتح رحمهما الله قصيدة يعاتبه فيها وقد علق بحفظي بيت واحد منها فقط وهو : .
أيا رحمة الله كيف انقلبت ... عليّ عذاباً شديد الوصب .
وله شعر بارع كقوله في قصيدة : .
غدا رشأ يرعى اللوى فالمحجرا ... ويا ليته يرعى جفوني محجرا .
رأى أن يحل الدهر مكروه هجره ... ويحرك محبوب الوصال ويحجرا .
وقد كان حر القلب عطفاً ورقةً ... فيا ليت شعري لم وفيم تحجرا .
أتاني وقد جد الرحيل مهجرا ... فقلت : أواصلت الحبيب لتهجرا .
بنفسي من وافى إلي مهاجرا ... وفاءً وعانى السير نحوي مهجرا .
وصير فضي السوالف مذهباً ... لوصلي ومسكي العذار معنبرا .
وله في بعض الكبار يصف بطيخة كان يديرها في كفه : .
يغري ببطيخةٍ في كفه عبقت ... كالشهد باطنها كالتبر ظاهرها .
يحكي وجوه عداه لون ظاهرها ... لكن قلوب محبيه سرائرها .
الشيخ أبو القاسم الفياض بن علي الهروي .
طبعه كاسمه والفضائل كلها برسمه . وهو من أفراد خراسان وفور حظ وسلاسة لفظ . وكأن البحتري وصف اشعاره بقوله : .
حزن مستعمل الكلام اختياراً ... وتجنبن ظلمة التعقيد .
وركبن اللفظ القريب فأدرك ... ن به غاية المرام البعيد .
كالعذارى غدون في الحلل الصف ... ر إذا رحن في الخطوط السود .
عرف الصالحون فضلك بالعل ... م وقال الجهال بالتقليد .
بلى لفظه قريب ولكنه أمنع من معشوق عليه رقيب وشأوه بعيد ولكن ليس لنفس الفكر وراءه تصعيد . وسمعت السيد الأجل العالم شرف السادة رضوان الله عليه يقول : وهو العالم الذي عرف العالم فضله والرائد الذي لم يكذب قط أهله إنه أشعر أقرانه وآدب أبناء زمانه . وأنا وإن لم أكن عديله فقد أوجبت تعديله . والقول ما قالت حذام . فأصغ من بعد من كلامه إلى الحلو الحلال ممزوجاً بالمر الحرام أعني البائية التي مدح بها الصاحب نظام الملك أدام الله أيامه فأحسن فيها ما شاء وأتبع دلو إحسانه الرشاء . وذكر فيها الفتوح التي اتفقت للدولة القاهرة فاتسقت كأنابيب القنا واطردت كأرسال القطا واخترت منها ما هو من شرط الكتاب وهي :