شغلاً بغيرك إذ أوردتني سقماً ... وقد جعلت سقاماً منك أقسامي .
القاضي أبو الفتح نصر بن سيار الهروي .
تلو القاضي الأزدي وبلديه في الأخذ بأطراف الفضائل والاشتمال على كرم الشمائل . وله شعر كاسم أبيه بحوافر الإجادة سيار وبقوادم الإصابة طيار . وولي القضاء والزعامة بهرات مدة وكان ذا كفايتيها المستولي على غايتها . ثم تكدرت الحال بينه وبين الأمير يبغو وتصورت له منه مطابقة مخالفيه فساء ظنه فيه وأمر بنقله إلى سجستان معتقلاً مع وزيره مسعود بن محمد بن سهل .
فلما بلغوا أسفزار أحس منه المتوكلون باحتيال في التملس من أيديهم فعمد له بعض من مردة أولئك الشياطين وعلقوه في سوق أسفزار ببعض الأساطين فجف ريقه واختصر طريقه وتفرق عنه فريقه وترك بها مخنوقاً ينوح الفضل منه على أسد في جيده حبل من مسد . وقد أحاطت المخنقة منه بملعب الكرم وتدلى كما يتدلى العنقود من عريش الكرم رحمة الله على ذاك الجسد بل على ذاك الأسد . فمما أنشدني لنفسه من بدائعه قوله من قصيدة له في الوزير أبي الفتح مسعود بن محمد بن سهل رحمة الله عليه : .
للمحسنين نصيب من مدائحنا ... وللحسان نسيب من قوافينا .
نطري أبا الفتح مسعوداً وقد رفعت ... في كل واد وناد نار مطرينا .
وله في تفاحة معضوضة : .
تفاحة قد عضها قمر ... عمداً ومسك موضع العضه .
وكأن عضته ممسكةً ... صدغ أحاط بوجنة غضه .
وكأنها نونان قد كتبا ... بالمسك في كرة من الفضه .
وقوله : .
وبدا لنا بدر الدجي والليل قد ... شمل الأنام بفاضل الجلباب .
غطى الكسوف عليه إلا لمعةً ... فكأنه حسناء تحت نقاب .
وقوله : .
بنفسي أغيد ألحاظه ... تمهد لي في الذنوب الرخص .
يشقق كبدي إذا ما شدا ... ويرقص قلبي إذا ما رقص .
وقوله : .
يا ليلةً ضمنا عناق ... ولفنا تحتها التزام .
مالي سوى وجنتيه ورد ... ولا سوى ريقه مدام .
تاب إلينا بها الليالي ... فذمها بعدها حرام .
وقوله يصف نار السذق : .
رب ليل كشعر ليلى سواداً ... شق جلبابه على الأرض نار .
وترى الأرض كالسماء فكل ... قد تجلى خلالها أنوار .
بشرار كأنهن نجوم ... ونجوم كأنهن شرار .
وله أيضاً في معناها : .
وليلة سامحتني ... بها نوائب دهري .
بتنا نضيع دجاها ... ما بين خمرٍ وجمر .
فتلك ذائب جمر ... وذاك جامد خمر .
وله في صفة النار أيضاً من قصيدة : .
لها شرر مثل النجوم تطايرت ... فمرت دنانيراً وجاءت دراهما .
قلت : كنت يوماً من الأيام أطالع ديوان أشعاره وقد تناهى فيها إلى حد الإكثار تفنناً في أوصاف النار . فقلت في نفسي : تعجباً لهذه الأوراق كيف سلمت من الاحتراق ! .
! .
وفي كل بيت منها بيت نار وإن لم يكن صاحبها عاقد زنار . وله في رمانة سوداء : .
وشادن ناولني بغنج .
ظبي فراش وهزبر سرج .
غصن على دعص نقاً مرتجّ .
رمانة سوداء قبل النضج .
كثدي بكر من بنات الزنج .
وله في معنى اقترح عليه : .
دخلت يوماً على صديق ... والبرد يفري به الفريا .
قال إلى النار قلت : كلا ... فأنت أولى بها صليا .
وله من أبيات أيضاً : .
وكنت وعدتني عسلاً مصفى ... فها أنا منك أرضى بالمضيض .
وله في الهجاء : .
شعر عبد الكريم قد يترك الصيف إذا أنشدوه مثل الشتاء .
ما رووه في مجلس قط إلا ... أخذ الناس فيه بالعرواء .
قد أتاني يوماً لينشد شيئاً ... منه عندي فقلت : هاتوا كسائي .
قد غدونا ما بين بردين ويلي ... برد أشعاره وبرد الهواء ! .
! .
هو من آلة المحبين إذ يبردن حرّ الأكباد والأحشاء .
وله في صفة النرجس : .
ونرجس غادرني ... ما بين عجب وعجب .
كطبق من فضة ... عليه كأس من ذهب .
الأمير الأمين أبو الفتح الحاتمي