قلتُ : وعندي أن الملح الأجاج لو مزج بمجاج هذه الألفاظ لعاد عذباً والسيف الكهام لوسنَّ على هذا الكلام لصار عضباً . وأنشدني الأمام أبو عامر الجرجانيُّ له : .
كساني الهَجرُ ثوباً من ... نُحولٍ مُسبَلِ الذَّيلِ .
وما يَعلمُ ما أُخفي ... من الدمعِ سِوى لَيلي .
وقد أرجفَ بالبَينِ ... فإن صَحَّ فوا وَيلي .
وأنشدني له أيضاً الأستاذ أبو العلاء وشتاسف بن اسفنديار الرازي بالرّي : .
يا صاحبيَّ إذا أعياكُما سَقَمي ... فَلَقِّياني نَسيمَ الريحِ في حَلَبِ .
مِنَ الديارِ التي كانَ الصِّبا وَطَري ... فيها وكانَ الهوى العذريُّ مِن أرَبي .
وأنشدني له أيضاً : .
قارعتِ الأيامُ مني امرأً ... قد عُلَقَ المَجدُ بأَمراسِهِ .
يَستنزلُ الروقَ بأقدامِهِ ... ويَستدِرُّ العزَّ من باسِهِ .
أروعُ لا يَنحطُّ عن تيههِ ... والسيفُ مسلولٌ على راسِهِ .
وأنشدني له أيضاً : .
ألا حُيِّيتَ يا يومَ التلاقي ... ولا حُييتَ يا يومَ الفراقِ .
قَطعتُ الأرضَ في شهرَي ربيعٍ ... إلى مصرٍ وعدتُ إلى العراقِِ .
فقالَ ليَ الحبيبُ وقد رآني : ... سَبوقاَ بالمضمَّرةِ العِتاقِ .
رَكبتَ على البُراقِ فقلتُ : كلاّ ... ولكني ركبتُ على اشتِياقي .
وأنشدني له أيضاً : .
أيا أمَّنا إن غالني غائِلُ الرَّدى ... فلا تَجزعي بل أحسِني بَعديَ الصَّبرا .
فما مُتُّ حتى شَيَّدَ المجدَ والعُلا ... فَعاليَ واستوفَتْ مَناقِبيَ الفَجرا .
وحتى شَفَيتُ النفسَ من كلِّ حاسدٍ ... وأبقيتُ في أعقابِ أولادكِ الذِّكرى .
وقال يرثي الشريف الرَّضي Bه من قصيدة أولها : .
رزءُ أغار به النَّعيُّ وأَنجَدا ... ومآتمٌ راشَت أقاديحَ الرَّدى .
ومنها .
أذكَرتَنا يا ابنَ النبيَّ محمدٍ ... يوماً طَوى عنّا أباكَ مُحَّمدا .
ولقد عرفتُ الدَّهرَ قبلكَ سالِياً ... إلاّ عليكَ فما أطاقَ تَجلُّدا .
ما زلتَ نصلً الدَّهرِ يأكلُ غِمدَه ... حتى رأيتُكَ في حَشاهُ مُغْمَدا .
الكافي العمانيُّ .
هو أبو علي أبزون المجوسي من أهل عمان وكنت أسمع له بالفقرة بعد الفقرة فأفتقر إلى أخواتها ويلتهب حرصي على إثباتها .
ثم ظفرت بديوان شعره في خزانة الكتب النظامية بنيسابور . وكنت على جناح الانصراف إلى الناحية فلم أتمكن من احتلاب درَرها .
ولم أتوصل إلى اجتلاب دُررَها . قال محمد بن أحمد المعروف بأبي الحاجب : كتب قبل حصولي بعمان أسمع بأشعار الكافي أبي علي وتمرّ بي القصيدة بعد القصيدة . وكنت أعجب لفرط أعجابي أودُّ لو ظفرت بمن يرويها لي عن مؤلفها فتكون النفس لحفظها أنشط والفكر بجبل من جبال عمان فقصدته .
ولما اجتمعت معه لم أتمكن من مجالسته إلا لمعاً ولا من مفاوضته لاشتغاله بالأعمال السلطانية إلا خُلساً . ثم إني استنبطته فوجدته غير معجب بشعر نفسه على عادة أبناء جنسه . وإذا ديباجة شعره مع بهائها ورونقها متناسبة الألفاظ متناصرةُ المعاني . وإذا هو يتجنب إيراد ما يمجه السمعُ وتأباه النفس ؛ فلم أزل أنتسخ من حافظيها وألتقط من منشديها إلى أن حصل لي منها ما قيدتها ورويتها عنه . وهذه القصيدة من أفراد قصائده وأوساط قلائده . وهي : .
هَل في مودَّةِ ناكثٍ من راغبِ ... أم هَل على فِقْدانِها من نادِبِ .
أم هل يُفيدك أن تُعاتب مولَعاً ... بتتبُّعِ العَثَراتِ غيرَ مُراقَب .
جَعلَ اعتراضَكَ للسَّفاهِة دَيدَناً ... والذئبُ دُيدَنُهُ اعتراضُ الراكِبِ .
ومنها : .
إنَّ الفُتوّةَ عَلَّمتني شِيمةً ... تُهدي الضِّياءَ إلى الشِّهابِ الثاقِبِ .
ما زال يسلب كل من حمل الظبي ... قلمي وأحداق الظباء سوالبي .
فهوى التّصرفِ والتصرّفُ في الهوى ... دَفَنا شَبابي في عِذاري الشائِب .
فَتَظَلُّمي من ناظرٍ أو ناظرِ ... وتألُّمي من حاجِبٍ أو حاجبِ .
ومنها :