هو من الرخج أصلاً ونسباً وإن كان يعرف بالقهستاني لقباً يجل باشتهاره عن تكلف الأوصاف والشروح ولا يمس شعره قرح من القروح . وهو في الشعر كذي القروح . التقيت به وهو على أشراف خراسان سنة خمس وثلاثين وأربعمئة والصبا أرن بنزع الأواخي والرغبة في الاستفادة تعقد بيني وبين الفضلاء التواخي . ومدحته ببعض أشعار الصبا وهي كما قال شرف السادة : التمر باللبا . وأعجبتني في النظم طرائقه وملكني منه شائقه ورائقه . وكأن طبعي أدى صورة طبعه بتطلعه في مرائيه أو كأن خاطره أم موسى إذ قالت لأخته : قصية . فأنا مقتص أثره وعاشق ليله وسمره . ومن رأى ما ينقدح من خاطري علم أنها نتيجة عفاره ومرخه ومن أبصر تصرفي في الكلام تبين أنه صقر عني . بزق فرخه فمن شعره الذي يمتزج بأجزاء النفس قوله في الأمير أبي أحمد محمد بن محمود Bه : .
يسرك أن أرى دنفاً حزيناً ... لك البشرى بما ترضى رضينا .
ولكني إذا ما طبت نفساً ... بما تهوى فكيف أرى حزينا .
رضاك رضاي لا آباه شيئاً ... ولو قتلي ولا أزوي الجبينا .
ولو زدت العذاب ولست تألو ... لما استروحت بالشكوى أنينا .
فدت نفسي ولو ملكت يميني ... سواها ما بخلت به يمينا .
وما ملكت يميني غير نفسي ... وها هي عنك لست بها ضنينا .
ولم أنفس على نفسي بحين ... ولكن لم يحن لي أن أحينا .
أيا مسكين قلبي ذبت قسراً ... وأعطيت المقادة مستكينا .
نصحتك لو قبلت نصيحةً لي ... ولكن لا تحب الناصحينا .
لقد خلق الهوى يا قلب ناراً ... فما لك والهوى وخلقت طينا .
تذوب ولا تتوب رجاء يوم ... يضم حشا المنى منه جنينا .
وبين جوانحي نار تلظى ... كما تلقى الأمير يهيج حينا .
محمداً ابن محمود أبا أح ... مد مولى أمير المؤمنينا .
جلال الدولة الغلباء دنيا ... جمال الملة العلياء دينا .
ولي العهد عهد الملك طوبى ... لنا إذ ظل ظلّ الله فينا .
ومن أبكار المعاني قوله في هذه القصيدة يعرض بأخيه الأمير مسعود ويذمه بالعبالة ويثني على ممدوحه بالنحافة : .
فإلا تلقه جسماً قوياً ... فقد تلقى به الروح الأمينا .
براه هوى العلا حتى تراه ... كنصل حسامه حدا ولينا .
وليس الطبل في الهيجاء يغني ... غناء السيف فاعلمه يقينا .
قلت : وقد أحسن البديع أبو الفضل الهمذاني في الاعتذار عن النحافة بقوله من قصيدة له : .
هلم إلى نحيف الجسم مني ... لتنظر كيف آثار النحاف .
ولي جسد كواحدة المثاني ... له كبد كثالثة الأثافي .
قلت : أبصر كيف نظم الأعداد من الواحد إلى الثلاثة على ترتيبها بمعنى يجمعها ويضم أطرافها ولا يكاد ينقضي إعجابي بهذا البيت . وللقهستاني أيضاً من قصيدة أولها : .
أهلاً بطيف قد جلاه لنا الكرى ... وا نعمتا لو كان حقاً ما أرى .
يا ماء عيني ليس يروي ظمأها ... نظري إليك وأن أديم وأكثرا .
ويزيدني ما ازددت منه غلة ... ملح أرى في ماء وجهك قد جرى .
ويشف كبدي برد ريقك إنه ... برد يزيد به الغليل تسعرا .
يا من حكى شجر الصنوبر قده ... حقاً لقد علقتك أفئدة الورى .
إن القلوب حكت ثمار صنوبر ... علقن من ذاك القوام صنوبرا .
ومنها فيما أقدم عليه دهقان ولوالج في تقبيح صورته عند سلطانه : .
تعساً أبا إسحق يا دبر القفا ... أنى أنخت لماضغي ليث الشرى .
كالتيس أصبح باحثاً عن مدية ... بك لا بظبي بالصريمة أعفرا .
هلا تأبطت السلامة غانماً ... متوقياً دئب الغضا يمشي الضرا .
إذ يرتعي وسطاً ويربض جحرة ... تيهاً على تيس القرى الغفر القرا .
إيهاً وزير الشرق عفوك إنما ... قد سدت كي تهب الذنوب وتغفرا .
ولكم يد أوليتنيها طلقة ... لم تولها شمس الضحى النيلوفرا