سيد السادات وشرفهم وبحر العلماء ومغترفهم وتاج الأشراف العلوية المتفرعين من الجرثومة النبوية الشادخين غرر الآداب في أجبنة الأنساب . وهو ولا ثنويه من الشرفين في الذروة العليا وفي المجدين من أسنمة الدنيا . تنوس على عالم العلم ذوائبه وتقرطس أهداف الآداب صوائبه .
ولم يزل أمام سرير الملك قدم صدق يطلع في سماء الفخر بدره ويوطئ أعناق النجوم قدره . وأقل ما يعد من محصوله جمعه بين ثمار الآداب وأصوله ووصفه بأنه ينثر فينفث في عقد السحر ويحلق إلى الشعرى إذا أسف إلى الشعر فأما الذي وراءه من العلوم الإلهية التي أجال فيها الأفكار وافتض منها الأبكار . فمما لا يحصروا لا يحزر ولا يعد ولا يحد . وقد حضرت بغداد سنة خمس وخمسين وانحدرت منها إلى البصرة فإذا ذكره الذي سار ودوخ الأمصار . وطار فنقب الأقطاب والأمصار . وقد سبقني إليهما وترادف على أثري منه ما زاحمني عليهما ورأيت ديوان شعره في دار العلم ببغداد مدوناً يزن وراقته المستفيدون أحمر منقشاً وأبيض مدوراً . وقد صحبته عشرين سنة أرتدي في ظلال نعمه العيش الناعم حتى فراخ وسائلي قشاعم فكم زممت إليه المطية وركزت على مكارمه الحظية مادحاً لما اشتهر على الألسنة من حسبه ونسبه وآخذاً بحظي من نشبه وأدبه . ولم يرتع ناظري في الروض الناضر إلا بتأملي مواقع أقلامه ولا صار سمعي صدف اللآلئ إلا بتقرطي روائع كلامه . وليس استرواحي إلى التنويه باسمه والإشادة بذكره إلا نوع تعليل ومتى احتاج النهار إلى دليل وما أنا في ترنمي بذكراه وتعطري برباه إلا النسيم نمّ على الروض بمسراه والصبح بشر بالشمس محياه . وقد جملت كتابي هذا من مأثور منثوره ونجوم منظومه وكلماته العلوية في افتخاراته العلوية وغزلياته المعشقة وخمرياته المفسقة ما يعلق من كعبة المجد والفخر ويعقد تاجاً على مفرق الدهر . وله في النثر كلمات قصار كل واحدة منها تقصار وهي محذوة على مثال الأمثال كقوله : " من أراد معرفة الله فلينظر في السماء والأرض كيف خلقتا وقد دامتا فما خلقتا وليعلم أن البناء لا بد بان كالكتاب لا بد له من بنان " . وقوله : " من استغنى عن الدنيا فكأنه دعاها إلى الإمتاع " . ومن حرص عليها فكأنه أغراها بالامتناع الإجمال في الطلب والمداراة للنوب يوميان إلى النجاح ويومنان من الافتضاح الجود بالحقيقة بذل الحق والبخل منعه فمن منع الحق كان معذراً ومن بذل فوق الحق كان مبذراً . أهنأ الجود بذل الإمكان على المكان . اللئيم من قصر عن الواجب من غير قصر في يديه أو قصور فيما لديه . أقدم إذا وجدت مقدماً فالجري بالظفر حري والهائب خائب . المجد الاستكثار من المحاسن ومن استكثر منها فقد مجد والنجدة الاستهانة بالموت ومن استهان به فقد نجد . معاداة الأغنياء من عادات الأغبياء ؛ لأن الغني اعتزاؤه إلى الله . واعتزازه بصنع الله . الغني معان ومن عادى معاناً فقد عاد مهانا إياك والإقبال فلا تزاحمه والأشقى فلا تلاطمه من دق نجارك على نجاره فلا تجاره . ومن قصر حسامك عن حسامه فلا تسامه . إذا التهبت الخطوب فعليك بالخمود فكل التهاب إلى انطفاء وكل انقضاض إلى القضاء . التواضع أمان من التقاطع والتملق أمان من التفرق . التغافل عن بعض الأمور تعاقل والتنامس في بعضها تكايس . ليس للفسوق سوق ولا للرياء رواء . ومن نظر في الأقسام أقدم على تجوير القسام ومن نظر في حكمته عدل في حكومته . الحسن درهم ثلثه طينة وثلثاه زينة . الكسلان مرعاه التواني ورعيه الأماني . الصدقة تمنع النفوس من الترقي إلى التراقي " .
قلت : وقد مرت بك رسالته التي خاطب بها القاضي المنصور بن محمد الهروي C وعرفت هناك درجة كلامه في الإخوانيات . وهاك نموذجاً من بيانه في السلطانيات : كتب - Bه - في فتح هرات من السلطان الشهيد ألب أرسلان أنار الله برهانه كتاباً إلى الرعايا بها وبالله العصمة والتوفيق : بسم الله الرحمن الرحيم :