" الحمد لله مولي النعم من حمدها ومنزل النقم على من كدها الكافل لشاكريها بالمزيد والثبات الخاذل لمنكريها بالزوال والفوات الموالي بينهما لمن أحسن ولايتها والقاطع رعايته عمن أسار رعايتها الممتع في ظلالها من ربطها بالعرفان المغص بزلالها من غمطها بالكفران يؤتيها من يشاء إذا أكرم جوارها وينزعها ممن يشاء إذا جهل أقدارها . فله الحمد على توفيقه لحمده ثم على سائر نعمه من بعده . والحمد لله الذي بعث محمداً خاتم النبين وأرسله رحمة للعالمين وهدانا به إلى توحيده . وكنا في الجاهلية الجهلاء وأرشدنا إلى تمجيده وكنا في الفترة العمياء وعلمنا على لسانه وفي محكم قرآنه الأعراف بنعمه والاحتراز من نقمه والارتباط بالشكر من مواهبه وقسمه . فصلوات الله على خيرته من خلقه وصفوته من بريته ؛ محمد عبده ورسوله وعلى آله وأصحابه والحمد لله الذي جعل الدولة القاهرة الجغرية محفوفة بالإعزاز أين توجهت راياتها ومكنوفة بالإعجاز أين تليت آياتها ومنصورة بالرعب مسيره شهر بلا عام ومعتادة للظفر بمرام بعد مرام وإرغام للدول بعد إرغام . وقد أعلى الله كلمتها ليحتج بها على الغامطين لحقه القاسطين في خلقه فيأتي بنيانهم من القواعد ويبعدهم بسيوفها البورق الرواعد " .
فصل منه : " وعاود المتظلمون مجالسنا مستنفرين وبآرائنا وراياتنا مستنصرين فنفرنا بعون الله وقوته في سائر أوليائنا وموالينا وخواصنا وحواشينا وانقضضنا على الخائن كالنجم الثاقب وأحطنا به من جميع الجوانب وبدأنا مرة بعد أخرى بتذكيره أيام الله فيمن نقض عهده وتعدى حده وخالف أمره وأمن مكره فلم يزده دعاؤنا إلا فراراً واستقالتنا إلا إصراراً ومن غوايته استكثاراً . إدلالاً منه بوثائقة حصاره وتكاثف أنصاره . فحاكمناه إلى الله D وناصبناه الحرب صباحاً ومساءً وأسقيناه كؤوس الثكل بأعزته ملاءً وولاءً . واتفق لنا عليه أكثر من عشرين وقعة تجلى منهم عن أسرى مكبلين وجرحى مجدلين وقتلى مرملين " .
فصل منه : " وأما أرسلان فهو النسر الواقع سناً وكبراً والنحس الطالع عيناً وأثراً فأثخنه بعض غلماننا بطعنة في آخر وقعاتنا احتملت بروحه إلى النار لمجاورة الكفار وبئس عقبى الدار . فسقط الخائن في يديه عند انثلام حديه وانهدام ركنيه وفشا الفشل في رجاله والنهب في أمواله فلم ير بعد للمناجزة مجالاً وللمبارزة مساغاً . وانحجر انحجاراً أشبه فراراً وألبسه خزياً وعاراً . فلم تبد لنا صفحة غواته إلا على السور كالنسور يلحقون بالأسياف والجحف ويحامون بالأحجار والخزف ظناً خائباً منه بأن المصابرة والمطاولة تفضيان إلى العوائق المانعة من إرهاقه والحوادث المنفسة عن خناقه . فلما ألقت الشتوة جرانها ونثرت السحائب جمانها وجرت العواصف أردانها أوجب الرأي معاد الراية العالية إلى مقرها للإجمام ومقامنا للإجهاز على الخائن والإتمام .
وأقمنا ببوشنج في خواص غلماننا وجرائد خيولنا وفرساننا . ونصبنا على الخائن المسالح والمراصد وعسرنا عليه المطالب والمقاصد . وأخذنا عليه بأطراف الأرض وأقطار السماء وقطعنا عنه مواد المر والمرافق حتى الماء وهو مع ذلك يجاهد ويصابر ويباهت عقله ويكابر ويقاسم المسلمين في هرات مساك أرماقهم وسدد إعوازهم وإملاقهم وعلمنا نحن أن الخائن لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم " .
قلت : أبصر هذه البلاغة كأن البلاغة في كل لفظة منها حساماً يرد على طليته أو سناناً بلغ في كليته . وهناك ما شئت من تناسب وتناسق وتجانس وتطابق واستعارة من أخبار والتفاتة من آثار واختلاسة من أشعار . وإنما اغترف منشئها من بحر غزير إذا اغترف سواه من نهر أو غدير .
وهذا حين أنتقل من نثار ورده إلى نظام عقده وابتدئ من تشبيباته بما هو أمتع من برود الشباب وأنقع من برود الشراب فمنها قوله في قصيدة مدح بها الصاحب الوزير أبا نصر بن علي بن محمد بن عبد الصمد الشيرازي رجب سنة خمس وعشرين وأربعمئة وهي : .
وقفنا على دار لريا نزورها ... وقد خف أهلوها وغارت بدورها .
أزرنا دموع العين دار التي لها ... على البعد طيف لا يزال يزورها .
وقد دثرت من بعدها غير أنها ... أجد غرام الزائريها دثورها