قلت : وقد أوردت الكتابين على الوجه لما فيهما من ألفاظ كأنها غمزات ألحاظ واقتباسات من الأشعار واختلاسات من الأخبار . وعندي أن الأيام لم تجد قط ولا تجود بمثل هذين الإمامين الهمامين وأرجو ألا أنسب في هذا الحكم إلى الميل والمين . فمما حضرني من مقطعاته التي هي قطع الرياض قوله : .
إذا ما كنت معتقداً صديقاً ... فجرّبه بأحوال ثلاث .
مشاركةٍ إذا ما عنّ خطب ... وإسعاف بعين أو أثاث .
وسرّك فأتمنه عليه وانظر ... أيكتم أم يذيع بلا اكتراث .
فإن صادفت ما ترضى وإلا ... فإن المرء ذو عقدٍ رثاث .
وله : .
جرت لك عادة في الخير عندي ... بلغت بها المدى شرفاً وعزا .
فلا تقطع بواحدة ولكن ... إذا ما لم تكن إبل فمعزى .
وقد حان انتقاص من قواها ... فطار القلب مني واستفزا .
وله : .
يا رب أذللت قوماً ... يا رب كن لي معزاً .
سميتني لك عبداً ... حسبي بذلك عزاً .
وله أيضاً : .
إذا ما كنت لا تحظى ... ولا تستعمل اللحظا .
فأشقى الناس من يستع ... مل اللحظ ولا يحظى .
وله : .
لا تغبط المتورطين وإن غدوا ... ومحلهم بين الورى ملحوظ .
وانظر مصارعهم تكن لك عبرةً ... إن السعيد بغيره موعوظ .
وله أيضاً : .
ومنتقب بالورد قبلت خده ... وما لفؤادي من هواه خلاص .
فأعرض عني مغضباً قلت : لا تجر ... وقبّل فمي إن الجروح قصاص .
وله أيضاً : .
وصاحبٍ لي ثقيل ... قد طال قداً وقامه .
فساعة منه عندي ... في طول يوم القيامه .
القرب منه بلاء ... والبعد عنه سلامه .
ومن محاسنه قوله : .
فصل العصر وشهر الصوم ينسلخ ... فأي عهدٍ وعقدٍ ليس ينفسخ .
فما لنا لا نرى شيئاً نسر به ... ونحن شوقاً إلى اللذات نصطرخ .
والعود أخرس والساقي على طرف ... والكاس في جانب والزق منتفخ .
والروض أخضر نضر والهواء ندٍ ... والقلب باللوم والتعنيف متسخ .
وللعصير اغتياظ من تلوننا ... يكاد من حره في الدن ينطبخ .
فهاتها مزةً حمراء صافيةً ... تملي السرور على قلبي فينتسخ .
وسابق الدهر إن الدهر ذو غيرٍ ... ونحن في غفلة والعمر ينسلخ .
وله : .
إذا كنت ذا علم وما راك جاهل ... فأعرض ففي ترك الجواب جواب .
وإن لم تصب في القول فاسكت فإنما ... سكوتك عن غير الصواب صواب .
السيد الرئيس ذو المجدين .
أبو القاسم علي بن موسى الموسوي .
جمال العترة الموسوية الممعن منها في الطريقة السوية . وإذا علوي لم يكن مثله في كرم المناسب وشرف المناصب فما هو إلا حجة للنواصب . وقد سعدت بضيافته رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمئة فرأيت من دسته المطروح وزنده المقدوح نعيماً وملكاً كبيراً وخيراً وخيراً وفضلاً كثيراً . كما قلت في قصيدتي التي أوردت بعضاً منها : .
أتاك الصيام فعاشرته ... بقلب تقي وعرض نقي .
وأوجبت للقوم هشم الثريد ... على شرط منصبك الهاشمي .
فعيّد إذا الأفق في الغرب بث ... سناً من جلي به منجلي .
ولو لم تسد مكان النبي ... لأصبح رتماً مكان النبي .
ولو ذهبت أصف ما تلقاني به من تشريف وتقريب وأهلني له من تأهيل وترحيب وحكمني فيه من إنزال وأنزال وخلع علي من جاه ومال لخرجت من شرط هذا الكتاب . واستهدفت من ألسنة النقاد لسهام العتاب .
أما الأدب فمنه وإليه ومعول أرباب الصنعة عليه . وأما الخلق فكما يقتضيه الإسلام وكأنه منتسخ من أخلاق جده عليه السلام . وأما الجاه فمسلم له غير متنازع فيه . وأما المحل فسلم لا يسلم من الزلل مرتقيه . وأما الرئاسة فقد ألقت إليه الأرسان . وأما النقابة فقد فرشت له رفرفها الخضر وعبقريتها الحسان . وهذا مكان غرر من كلماته ودرر من حصياته يلوح عليها سيماء النبوة ويحيط بحواليها سماء المروءة