كتابي أطال الله بقاء السيد ثم الأجلّ فالأجلّ والأعظم فالأعظم والأكرم فالأكرم والأنفس فالأنفس والأشرف فالأشرف وهلم جرا ما وجد الخالع للحبل مجراً من الثناء والدعاء والتقريظ والاطراء وجميع ما يخرج من هذا الوعاء ويكفيني الاكتفاء باسم جنان . فلم أخرج من عيان إلى بيان . ولولا الأخذ بالسنة في مطاولة الحبيب للحبيب وفرحة الأديب بالأديب وأنس الغريب بالغريب واهتزاز المريض للطبيب لأجللت مجلسه أنسه الله عن التثقيل والتطويل والإبرام بمد الكلام .
ولكني عرفت خلقه خلقاً عظيماً وطبعاً كريماً وسجية سرية وهمة علية . فوثقت بالعفو واشتيار ما عندي من الكدر بما عنده من الصفو . فأرسلت نفسي على سجيتها . وقد حدثت نفسي وأجلت فكري وشاورت صحبي وراجعت وسمي وفهمي واستعرضت نثري ونظمي في أن آتي بكلام بديع بعيد ونظام ما يشك امرؤ أنه نظام فريد .
فلما رأيته سلك من الدر ما سلك وسبك من التبر ما سبك وفرك من المسك ما فرك وحرك من سلسلة الإعجاز ما حرك نبهت عقلي وقست خلي ببقلي ونظرت في فتري وشبري . وتذكرت ما ذهب من خيري وشري وقلت : يا أبا أحمد أعزك الله اعلم الحال ثم اطلب المحال واعرف ثم اهرف ولا تروج الزيف على الناقد ولا تهد الطيف إلى الراقد ولا تتعرض للمس النجوم الثواقب .
ولا تسبح بقصير باعك في البحر ملتطم الغوارب . واسكت فقد حان لك السكوت ونسج عليك العنكبوت وكادت تخلو منك البيوت . وذهب السمع والبصر وبطل العين والأثر وتناثر التمر والكثر وجمع الشمس والقمر واضمحل الليل والسمر . ولم يبق إلا القضاء والقدر .
الشيب وكل شين والعمى وكل عيب وأحوال الزمان وما بها خفاء وجفاء أهله ومن أين لهم جفاء وبدون هذا ينفق الحمار ثم إن كان لا بد فمن المضيرة وصل كتاب السيد الجليل وما أعدت السيد تكريراً ولكن تقريراً . فالأول اسم هو لا بد منه متسم حتى يكون سجعاً له والثاني صفة جملته بها متصفة ومعانيها له منتظمة مرتصفة حتى يكون ثانياً واللفظ من هاهنا لشعبة . وقد تضمن من الفضل والأفضال والإحسان والإجمال والتوفر والإيجاب والرعاية والإكرام فيما أولانيه من بره الجزيل ورفعني إليه من قدره الجليل . وذكرني به مما لا ينسب إلا إليه ولا يوقف إلا عليه ولا يوجد إلا لديه ولا يجمع إلا تحت يديه من الجميل . وهذا أيضاً من ذاك القبيل تسجيع كما يراه وترجيع كما يرضاه أو لا يرضاه .
ثم وقف الجمل وكثر الوحل وللسجع حركته وأراه يجوز وأن لم يجز أجزته والدليل عليه قول القائل : " ولا وحيرة الحمار في الطين " . ولعل السيد يقول : هذا الشيخ أيده الله قد خرف وهذا أمر قد عرف وأنا به معترف ومن بحره مغترف وغيري للذنب فيه مقترف . إن قال فمقبول وإن عفا فالعفو عند رسول الله مأمول وهو بحمد الله تعالى غصن من تلك النبعة وبعض من تلك الجملة وخليج من ذلك البحر وضياء من ذلك البدر .
ولا عجب أن أقتدي ولا بدع أن أهتدي فأما الجواب لفظاً بلفظ وحرفاً بحرف ومعنىً بمعنى وكلمةً بكلمة على الرسم بين الأقران والعادة بين الإخوان والطريقة بين أبناء الزمان فما أقل عقل الإنسان ! .
وما أعده من الصواب في هذا الجواب أن أعرض عن الهذيان بعدما حيل بين العير والنزوان . وأنشد : .
إن ابن جفنة من بقية معشرٍ .
أبيات حسان وقد أحسن فيها كل الإحسان إلى آخر الدستان . وقد جمعت بين الملح والأشنان ووفقت لما انتهيت إلى هذا المكان . شكر الله سعيه وحيا وجهه وسقى ربعه وطيب ذكره ورفع قدره وتولى عني شكره : .
وإني وإن فارقت نجداً وأهله ... لمحترق الأحشاء شوقاً إلى نجد .
أروح على وجد وأغدو على وجد ... وأعشق أخلاقاً خلقن من المجد .
وإن تجمع الأيام بيني وبينه ثم لم يسمح خاطري بما أردته بعده والسلام . ولرأيه التوفيق والعلو والسداد والصواب والرشاد وكل ما ذكره في هذا الباب البلغاء والشعراء والخطباء والكتاب . وهذا صحيح على القياس وإن لم يكن متداولاً بين الناس وأعوذ بالله من الوسواس الخناس إن شاء الله وبه الثقة