لما نظَرتُ إليه قال جَماله : ... بالله صَلِّ على أبيه وجدِّه .
القسم السادس .
في شعراء خراسان وقهستان وبست .
وغزنة وما يضاف اليها .
الأمير العالم .
أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي .
لو قيل لي : من أمير الفضل لقلت : الأمير أبو الفضل . وقد صحبته بعدما أناف على الثمانين وفارقته وهواي مع الركب اليمانين ونادمته فلم أقرع على منادمته سن الندم وقدمت عليه فغمرني إنعامه من الفرق إلى القدم . وجالسته فأحمدته في كل أمر وكأني جليس قعقاع بن عمرو . وأما أدبه فقد كان على ذبول عوده غضاً يكاد يغض من أزهار الربيع غضاً . وأما شعره فقد أعلى أهل الصناعة بشعار الانتماء إليه ورفرفت الشعراء بأجنحة الاستفادة عليه . وأما رسائله فرسل يدر وسلك لا يخونه الدر . ومن تأمل منثورة في المخزون على أنه فرحة المحزون وشفاء القلب السقيم وعقلة المستوفز وأنس المقيم . وسئل الشيخ والدي عنه فقال : إذا قطع الشعر قطع الشعر ولكنه إذا قصد اقتصد . فمن كلامه الذي يوسى به الكلم ويظلم إذا قيس بعذوبته الظلم قوله : وهو من أذناب أماليه الذي أنشدنيها لنفسه إملاء منه علي : .
تفرق الناس في أرزاقهم فرقاً ... فلابس من ثراء المال أو عار .
كذا المعايش في الدنيا وساكنها ... مقسومة بين أدماث وأوعار .
من ظن بالله جواراً في قضيته ... افتر عن مأثم في الدين أوعار .
وأنشدني أيضاً لنفسه : .
لئن أنت ناصبت بدر الدّجى ... ونازعت شمس الضحى أوجها .
لما كنت أفضل في حالة ... من الكلب عندي ولا أوجها .
وأنشدني أيضاً لنفسه : .
تمت صنائعه فما يزري بها ... مع فضله وسخائه وكماله .
إلا قصور وجوده عن جوده ... لا عيب للرجل الكريم كماله .
وأنشدني لنفسه في مدح أبيه : .
مبدع في شمائل المجد خيماً ... ما اهتدينا لأخذه واقتباسه .
فهو فظّ بالمال وقت نداه ... وجواد بالعفو في وقت باسه .
وله : .
وما المرء في دنياه إلا كهاجعٍ ... تراءت له الأحلام وهي خوادع .
ينعّمه طيف من اللهو باطل ... ويوقظه يوم من الدهر فاجع .
وأنشدني لنفسه : .
أقيك بنفسي صروف الردى ... وحاشاك يا أملي أن تحينا .
وقدّمت قبلك نحو الحمام ... وبعد مماتي فعش أنت حينا .
وأنشدني أيضاً لنفسه في معمى : .
غزال ينثني فيريك غصنا ... ويرنو تارةً فيريك ريما .
كريم كله ظرف ولكن ... إذا سميته فاقلب كريما .
وأنشدني أيضاً لنفسه : .
إذا دها خطب فآراؤه ... تغني عن الجيش وتسريبه .
وإن دجا ليل بدا نوره ... للركب نجماً فهي تسري به .
وأنشدنا أيضاً لنفسه : .
تعزّ عن الحرص تعزز به ... ففي الطمع الذل والمنقصة .
ولا تنزلن أبداً حاجةً ... بمن كابد البؤس والمخمصه .
ولو نال نجم الدجى ثروة ... وأوطأ شمس الضحى أخمصه .
وأنشدنا لنفسه أيضاً : .
أوصاك ربك بالتقى ... وأولو النهى أوصوا معه .
فاجعل لنسكك طول عم ... رك مسجداً أو صومعه .
القاضي أبو أحمد منصور بن محمد .
الأزدي الهروي .
أفضل من بخراسان على الإطلاق وأطبعهم بالاتفاق ويرجع إلى نظم أحسن من انتظام الأحوال ونثر كما يهي عن الدر سلك اللآل . وديوان شعره يبلغ أربعين ألف بيت وناهيك به من كثير ليس بعدو للطبيعة ولا مستهدف للوقيعة . ولكنه أعذب من جنى النحل شيب بماء الوقيعة . ورسائله ألذ في الأسماع من عهود التصابي وأصيد للقلوب من كلام الصادين ؛ الصاحب والصابي . وللشيخ والدي C فيه قصيدة أولها : .
قالوا : تفتش عن أولي المجد ... من في الأنام لطالبي الرفد .
فأجبت : قاضينا وسيدنا ... منصور ابن محمد الأزدي .
واقترح عليه أن يجيب عنها نثراً في فصل من رقعة كتب بها إليه وهو : " لا يعدّ بناحيتنا في الفتاك من الشبان والشطار من الفتيان من يبخل بإنفاق نظم عقد على تحصيل نثار ورد "