واقْتادَني بالرِّفقِ حتّى إذا ... ملَّكتُهُ مِنِّيَ ذُلَّ الرَّفيق .
عزَّ على بَختي حتى اغتَدى ... بحيثُ ألقى وَكْرُهُ الشَّوْذَنيق .
وحقَّ لي وَجْدي على شادنٍ ... أدَقَّ جِسمي منهُ خَضرٌ دَقيق .
ومَبسِمٌ عذبٌ حكى لُؤلؤاً ... مركَّباً في سَفَطٍ من عَقيق .
وشاهدٍ يَشهدُ في خَدِّهِ ... أنْ ليسَ في الحسنِ لهذا رَفيق .
فكلَّما عذَّبني هَجْرُهُ ... صِحتُ منَ الوَجدِ : الحَريقَ الحريقْ .
يا أيُّها الناسُ ارحَموا مُدْنَفاً ... قَيَّدَهُ العِشقُ بقيدٍ وثَيق .
أسكَرَهُ العِشقُ بكاساتِهِ ... فليسَ يَرْجو أبداً أنْ يُفيق .
وله وذلك مما قاله بفيروز آباد يصف الدَّرَّة : .
أُنظُرْ إلى صنعةِ الإلهِ ففي ... صَنعتِهِ طُرفَةٌ من الطُرفِ .
صَوالِجٌ من زَبَرجدٍ نْحُف ... تَحمِلُ دُرّاً ما فُضَّ عن صَدَفِ .
الشاعر الأوسي كدي .
كذا حكى لي القاضي أبو جعفر البحائي عن الحاكم أبي سعد ابن دوست أنه قال : سمعت الشاعر الأوسى يقول : مدحت الصاحب إسماعيل بن عباد بقصيدة وكنت أنشدها بين يديه . فلما بلغت إلى قولي : .
لمّا ركبتُ إليكَ مُهري أُنعِلتْ ... بدرَ السّماءِ وسُمِّرتْ بكواكبِ .
قال : قال لي الصاحب : لم أنَّثتَ المهر وهو مذكر ولم شبهت النَّعل بالبدر وهو لا يشبهه ولو شبهته بالهلال لكان أحسن فإنه على هيئته وصورته . قال : قلت له : أما تأتيني المهر فلأني عنيت المهرة وأما تشبيهي النَّعل ببدر السماء فلأنِّي أردت النعل المطبقة والله تعالى أعلم .
أبو الرَّبيع سليمان بن أحمد بن غانم .
ابن المغيرة الأسديُّ .
أحد بني معين أنشدني القاضي أبو جعفر البحاثي قال : أنشدني الأستاذ أبو محمد العبدُ لكانيُّ قال : أنشدني أبو الربيع هذا لنفسه : .
يَهُنيكَ أنّا قاصِدوكَ بِمِدحةٍ ... يا ليتَ أنّ جلودنَا قِرطاسُها .
تَبري أناملُنا لها أقلامَها ... وتُري سوادَ عيوننا أنقاسُها .
وكأنَّما كُسيتْ رؤوسَ ديوكِها ... ما احمرَّ من أوراقِها مَيّاسُها .
الرِّيباس أم كلثوم .
المغنِّية .
هذه امرأة مغنية إذا وصفت النساء الشواعر فهي بأحسن صفاتهن معنيِّة . حدثني الشريف أبو طالب محمد بن عبد الله الأنصاري قال : جمعني وإيّاها الطريق وهي وافدة على دغفل . فاستنشدتها فأنشدت قصيدة منها : .
كأنَّ الرِّياح الهُوجَ غادَرْنَ فوقَها ... من البارِحِ الصَّيفيِّ بُرداً مُسَهَّما .
قال : فورد في هذه القصيدة بيت مرفوع وهو : .
وقلتُ : اسلَمي من دارِ حيَّ تميَّزتْ ... بِهم شُعَبُ النِّيّاتِ فالقَلْبُ مُغرَما .
قال : فقلت لها : لحنت قالت : أو لحن هو قلت : نعم فقالت : أصلحه بيّض الله وجهك . ثم أعملت الفكر وأشارت إلي صهٍ صهٍ . وأنشدت بيتاً مقسماً . قال : فتجَّبت من توقُّد ذهنها وسرعة إجابة خاطرها .
والله تبارك وتعالى أعلم .
القسم الثاني .
في طبقات شعراء الشام وديار بكر وآذربايجان .
والجزيرة وسائر بلاد العرب .
تميم بن معد صاحب مصر .
أنشدني الشيخ أبو محمد الحمداني قال : أنشدني الأديب أبو شُجاع السُّهرورديُّ بمدينة السَّلام له : .
يا ليلةً باتَ فيها البدرُ مُعتَنقي ... وأمْستِ الشمسُ لي من بَعضِ جلاّسي .
وبِثُّ مُستغنياَ بالثُّغرِ عن بَرَدٍ ... وبالخدودِ عن التفاحِ والآسِ .
ناولتُها شِبهَ خدَّيْها مُشعْشِعة ... في الكأسِ تَحسَبُها ضوءاً لمقباس .
فَقَبَّلَتْها وقالتْ وهيَ باكيةٌ : ... وكيفَ تَسقي خُدودَ الناسِ للنّاسِ .
قلتُ : اشربي إنَّها دمعي ومازِحُها ... دَمي وطابخُها في الكأسِ أَنفاسي .
قالت : إذا كنتَ مِنْ حُبّي بكيتَ دَماً ... فَسَقِّيها على العَينينِ والراسِ .
قال : وأنشدني له أيضاً : .
أسِربُ مَهاً عنَّ أم سِبُ جِنَّهْ ... حَكَيتُنَّهُنَّ ولستُنَّ مُنَّه