وكان لا يسلك المراء في بحثه بل يتكلم بسكينة كلمات يسيرة فلا يراد ولا يراجع وكان عارفاً بمذهبي مالك والشافعي كان مالكياً أولاً ثم صار شافعياً قال : وافق اجتهادي اجتهاد الشافعي إلا في مسألتين أحديهما أن الابن لا يزوج أمه والأخرى... وحسبك بمن يتنزل ذهنه على ذهن الشافعي .
وكان لا ينام الليل إلا قليلاً يقطعه بمطالعة وذكر وتهجد أوقاته كلها معمورة .
ولما طلع إلى السلطان حسام الدين لاجين قام له وخطا عن مرتبته وعزل نفسه عن القضاء مرات ثم يسأل ويعاد إليه وكان شفوقاً على المشتغلين كثير البر لهم .
وقال قطب الدين : أتيته بجزء سمعه من ابن رواج والطبقة بخطه فقال : حتى أنظر ثم عاد إليه فقال : هو خطي ولكن ما أحقق سماعي له ولا أذكره .
وحكى قطب الدين السنباطي قال : قال الشيخ تقي الدين لكاتب الشمال سنين لم يكتب علي شيئاً قلت : أخبرني ذلك الإمام العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن السبكي قال : حكى لي ذلك السنباطي فاجتمعت به وقلت له : قال فلان عن فلان عن مولانا كذا وكذا ؟ فقال : أظن ذلك أو كذلك يكون المسلم أو كما قال .
روى عنه الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس وقطب الدين ابن منير وقاضي القضاة علاء الدين القونوي وقاضي القضاة علم الدين الإخنائي وآخرون وحدث للشيخ شمس الدين إملاء .
وشعره في غاية الحسن في الانسجام والعذوبة وصحة المقاصد وغوص المعاني وجزالة الألفاظ ولطف التركيب .
أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أبو الثناء محمود فقال : ما رأيت في أهل الأدب مثله وناهيك بمن يقول شهاب الدين محمود في حقه هذا .
وقال لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس وكان به خصيصاً : كان الشيخ تقي الدين ممتعاً إذا فتح له باب انقضت تلك الليلة في تلك المادة حتى في شعر المتأخرين والعصريين انتهى .
قلت : : .
فهو الذي بجح الزمان بذكره ... وتزينت بحديثه الأخبار .
قال القاضي شهاب الدين محمود : قال لي الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد يوماً قول أبي الطيب : .
لو كان صادف رأس عازر سيفه ... في يوم معركةٍ لأعيى عيسى .
في هذا شيء غير إساءة الأدب . فأفكرت ساعة ثم قلت : نعم كون الموت ما يتفاوت إن كان بالسيف أو غيره فالإحياء من الموت سبيل واحدة . فقال : أحسنت يا فقيه أو كما قال وهذه المؤاخذة لا تصدر إلا من أديب كبير كالجاحظ أو غيره .
وأما ما كان يقع من الشيخ أثير الدين في حقه فله سبب أخبرني به الشيخ فتح الدين قال : كان الشيخ تقي الدين قد نزل عن تدريس مدرسة لولده - نسيت أنا المدرسة واسم ابنه - فلما حضر الشيخ أثير الدين درس قاضي القضاة تقي الدين ابن بنت الأعز قرأ آية يفسرها درس ذلك اليوم وهي قوله تعالى " قد خسر الذين قتلوا أولادهم " فبرز أبو حيان من الحلقة وقال : يا مولانا قاضي القضاة قدموا أولادهم قدموا أولادهم يكرر ذلك فقال قاضي القضاة : ما معنى هذا ؟ قال : ابن دقيق العيد نزل لولده فلان عن تدريس المدرسة الفلانية فنقل المجلس إلى الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد فقال : أما أبو حيان ففيه دعابة أهل الأندلس ومجونهم وأما أنت يا قاضي القضاة فيبدل القرآن في حضرتك وما تنكر هذا الأمر فما كان إلا عن قليل حتى عزل ابن بنت الأعز من القضاء بابن دقيق العيد فكان إذا خلا شيء من الوظائف التي تليق بالشيخ أثير الدين ابي حيان يقول الناس : هذه لأبي حيان يخرجها الشيخ تقي الدين لغيره فهذا هو السبب الموجب لحط أبي حيان وشناعه عليه وأهل العصر لا يرجع إلى جرحهم بعضهم بعضاً لمثل هذه الواقعة وأمثالها .
إن العرانين تلقاها محسدةً ... ولا ترى للئام الناس حسادا