وما خلص ابن بنت الأعز من ضرب العنق إلا ابن دقيق العيد لأن الوزير شمس الدين ابن السلعوس لما عمل على ابن بنت الأعز وعزله وسعى في عمل محاضر بكفره وأخذ خط الجماعة على المحاضر ولم يبق إلا خط ابن دقيق العيد أرسل إليه المحاضر مع نقباء وقال : يا مولانا الساعة تضع خطك على هذه المحاضر فأخذها وشرع يتأملها واحداً بعد واحد والنقباء يتواتر ورودهم بالحث والطلب والإزعاج وأن الوزير في انتظار ذلك والسلطان قد حث في الطلب وهو لا ينزعج وكلما فرغ محضراً دفعه إلى الآخر فقال : ما أكتب فيها شيئاً قال الشيخ فتح الدين : فقلت له : يا سيدي لأجل السلطان والوزير فقال : أنا ما أدخل في إراقة دم مسلم قال : فقلت له : كنت تكتب خطك بذلك وبما يخلص فيه فقال : يا فقيه ما عقلي عقلك هم ما يدخلون إلى السلطان ويقولون قد كتب فلان بما يخالف خطوط الباقين وإنما يقولون قد كتب الجماعة وهذا خط ابن دقيق العيد فأكون أنا السبب الأفوى في قتله قال : فأبطل إبطاله وأطفأ من شواظ نارهم .
وما أراه إلا أنه ممن بعثه الله تعالى على رأس كل مائة ليجدد لهذه الأمة دينهم فإن الله بعث على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وعلى رأس الثانية الشافعي وعلى رأس المائة الثالثة ابن سريج وعلى راس المائة الرابعة أبا حامد الإسفراييني وعلى رأس المائة الخامسة ابا حامد الغزالي وعلى رأس المائة السادسة الإمام فخر الدين الرازي وعلى رأس المائة السابعة الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد : وأخبرني فتح الدين أنه ما كان يعجبه قول من يقول " قاضي القضاة الشافعي " فإذا قلنا " قاضي القضاة الشافعية " قال : إنه هذا .
وكتب الشيخ تقي الدين إلى قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الخليل الخويي شافعاً ومتشوقاً : يخدم المجلس لا زال حافظاً لأحكام الجود محفوظاً بضمان الله في ضمن السعود محروس العزم من دواعي الهوى والعز من دواعي الحسود مقابل وجه الرأي بمرآة الحق مولي جناب الباطل جانب الصدود ولا برح يمطر على العفاة سحائب كرمه ويروي الرواة من بحار علوم بمد من قلمه ويجلو ابكار الأفكار مقلدة بما نظم السحر من حلي كلمه ويبرز خفيات المعاني منقادة بأيد ذهنه وأيدي حكمه ويسمو إلى غايات المعالي حتى يقال اين سمو النجم من هممه ويسبغ من جمال فضله وجميله ما يبصره الجاهل على عماه ويسمعه الحاسد على صممه وينهى من ولائه ما يشهد به ضميره الكريم ومن ثنائه ما هو أطيب من ودائع الروض في طي النسيم ومن دعائه ما يقوم منه بوظيفة لا تهمل وبشيعه برجاء يطمع معه بكرم الله أن يقبل ويقبل ويجري منه على عادة إذا انقضى منها ماض تبعه الفعل في الحال والعزم في المستقبل غير خاف أنه لكل أجل كتاب ولكل مقصود أسباب ولم يزل يهم بالكتابة والأيام تدافع ويعزم على المخاطبة فتدفع في صدر عزمه الموانع حتى طلع الوقت فجر حظه واستناب منافثة قلمه عن مشافهة لفظه وقال لخدمته هذه ردي مورداً غير آسن وتهنى محاسن لا تشبهها المحاسن وتوطني المحلة المسعودة فكما يسعد الناس كذلك تسعد الأماكن .
وشاهدي من ذلك السيد صدراً بشره بالنجح ضامن وشهاباً ما زلنا نعد السيارة سبعاً حتى عززت لنا منه بثامن وكان السبب في ذلك أن القاضي نجم الدين بمحلة منف لما قدم القاهرة أقام بحيث تقيم وحاضرنا محاضرة الرجل الكريم ونافث منافثة لا لغو فيها ولا تأثيم ولازم الدروس ملازمة لولا أنها محبوبة لقلنا ملازمة غريم وتلك حقوق له مرعية ومعرفة أنسابها مراضعة العلوم الشرعية وقصد هذه الخدمة إلى المجلس فكان ذلك من واجب حقه وذكر ثناء عليه فقلنا رأيت الحق لمستحقه وسيدنا حرسه الله تعالى أهل لتقليد المنن ومحل لأن يظن به كل حسن والعلم بمروءته لا يقبل تشكيك المشكك وابوته تقتضي أن يرتقي من بعروة وده يستمسك والله تعالى يرفع شأنه ويعلى برهانه ويكتب له يوم إحسانه إحسانه ويطوي على المعارف اليقينية جنانه ويطلق بكل صالحة يده ولسانه بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى .
قلت : ما أعرف بعد القاضي افاضل من كتب الإنشاء مثل ا لقاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر وما له مثل هذه المكاتبة علم ذلك من علمه أو جهله من جهله .
أنشدني من لفظه الشيخ فتح الدين محمد بن سيد الناس قال : أنشدني شيخنا تقي الدين ابن دقي قالعيد لنفسه : .
الحمد لله كم أسعى بعزمي في ... نيل العلى وقضاء الله ينكسه