ولم أكن وقفت على شيء من كلامه ثم إني وقفت على فصوص الحكم التي له فرأيت فيها أشياء منكرة الظاهر لا توافق الشرع وما فيه شك أنه يحصل له ولأمثاله حالات عند معانات الرياضات في الخلوات يحتاجون إلى العبارة عنها فيأتون بما تقصر الألفاظ عن تلك المعاني التي لمحوها في تلك الحالات فنسأل الله العصمة من الوقوع فيما خالف الشرع قال الشيخ شمس الدين : وله توسع في الكلام وذكاء وقوة خاطر وحافظة وتدقيق في التصوف وتواليف جمة في العرفان ولولا شطحه في كلامه وشعره - لعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته - فيرجى له الخير انتهى .
قال الشيخ قطب الدين اليونيني في ذيله على المرآة : وكان يقول : اعرف الاسم الأعظم واعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب وكانت وفاته بدمشق في دار القاضي محيي الدين وغسله الجمال ابن عبد الخالق ومحيي الدين وكان العماد ابن النحاس يصب عليه وحمل إلى قاسيون ودفن بتربة القاضي محيي الدين في الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وست مائة انتهى .
مولده سنة ستين وخمس مائة بمرسية من الأندلس .
ومن تصانيفه : الفتوحات المكية عشرون مجلدة والتدبيرات الإلهية وفصوص الحكم وعمل ابن سودكين عليها شيئاً سماه نقش الفصوص وهو من تلك المادة والإسراء إلى المقام الأسرى نظماً ونثراً وخلع النعلين والأجوبة المسكتة عن سؤالات الحكيم الترمذي ومنزل المنازل الفهوانية وتاج الرسائل ومنهاج الوسائل وكتاب العظمة وكتاب السبعة وهو كتاب الشأن والحروف الثلاثة التي انعطفت أواخرها على أوائلها والتجليات ومفاتيح الغيب وكتاب الحق ونسخة الحق ومراتب علوم الوهب والإعلام بإشارات أهل الإلهام والعبادات والخلوة والمدخل إلى معرفة الأسماء كنه ما لا بد للمريد منه والنقباء وحلية الأبدال والشروط فيما يلزم أهل طريق الله تعالى من الشروط وأسرار الخلوة وعقيدة أهل السنة والمقنع في إيضاح السهل الممتنع وإشارات القرآن وكتاب الهو والأحدية والإتحاد العشقي والجلالة والأزل والقسم وعنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب والتنزلات الموصلية والشواهد ومناصحة النفس واليقين وتاج التراجم والقطب والإمامين رسالة الانتصار والحجب والأنفاس العلوية في المكاتبة وترجمان النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم والموعظة الحسنة والمبشرات وخطبة ترتيب العالم والجلال والجمال ومشكاة الأنوار فيما روي عن الله من الأخبار وشرح الألفاظ التي اصطلحت عليها الصوفية ومحاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار خمس مجلدات .
وحكي لي أنه ذكر للشيخ تقي الدين ابن تيمية أن في دمشق إنساناً - أظنه قيل لحام - يرد كلام ابن عربي بالتأويل إلى ظاهر الشرع ويوجه خطأه فطلبه فلم يحضر إليه فلما كان في بعض الأيام قدر الله الجمع بينهما فقيل له : هذا فلان فقال له : بلغني عنك كذا وكذا ؟ فقال : هو ما بلغك فقال : كيف نعمل في قوله خضت لجة بحر الأنبياء وقوف على ساحله ؟ فقال : ما في ذا شيء يعني أنهم واقفون لإنقاذ من يغرق فيه من أممهم فقال له : هذا بعيد فقال : وإلا الذي تفهمه أنت ما هو المقصود أو كما قيل .
وقال الشيخ محيي الدين ابن العربي : رأيت النبي A في النوم فقلت : يا رسول الله ايما أفضل الملك أو النبي ؟ فقال : الملك فقلت يا رسول الله اريد على هذا دليلاً إذا ذكرته عنك أصدق فيه فقال : ما جاء عن الله تعالى أنه قال : من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه .
وعلى الجملة فكان رجلاً عظيماً والذي نفهمه من كلامه حسن بسن والذي يشكل علينا نكل علمه إلى الله تعالى وما كلفنا اتباعه ولا العمل بكل ما قاله .
وقد عظمه الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني C تعالى في مصنفه الذي عمله في الكلام على الملك والنبي والشهيد والصديق وهو مشهور فقال في الفصل الثاني في فضل الصديقية : وقال الشيخ محيي الدين ابن العربي البحر الزاخر في المعارف الإلهية وذكر من كلامه جملة ثم قال آخر الفصل : إنما نقلت كلامه وكلام ما جرى مجراه من أهل الطريق لأنهم أعرف بحقائق هذه المقامات وأبصر بها لدخولهم فيها وتحققهم بها ذوقاً والمخبر عن الشيء ذوقاً مخبر عن عين اليقين فاسأل به خبيراً انتهى .
ومن شعره : .
إذا حلّ ذكركم خاطري ... فرشت خدودي مكان التراب .
وأقعدني الذلّ في بابكم ... قعود الأسارى لضرب الرقاب