يا من هجرت فما تُبالي ... هل ترجع دولة الوِصال .
ما أطمعُ يا عَذابَ قلبي ... أن ينعَم في هواك بالي .
الطرفُ كما عهدتَّ باكٍ ... والجسمُ كما تراه بالي .
ما ضرَّك أن تعلِّليني ... في الوَصلِ بموعد مُحال .
أهَواكِ وأنتِ حَظُّ غيري ... يا قاتلتي فما احتيالي .
وكانت لابن القطان مع الحيص بيص وقائع وله فيه أهاجِيّ خرج الحيص بيص ليلةً من دار الوزير شرف الدين ابي الحسن علي بن طرادٍ الزينبي فنبح عليه جَروُ كلبٍ وكان متقلّداً سيفا فوكزه بعَقب السيف فمات فبلغ ذلك ابن الفضل المذكور فنظم أبياتاً وكتبها في ورقة وعلقها في عنق كلبة لها أجرٍ ورتب معها من طَردَها وأولادها إلى باب دار الوزير كالمستغيثة فاُخذتِ الورقة من عُنقها وعُرِضَت على الوزير فإذا هي : .
يا أهل بغداد إنّ الحيصَ بيصَ أتى ... بفعلة أكسبته الخِزي في البلدِ .
هو الجبانُ الذي أبدى تَشاجُعَه ... على جُرَيّ ضعيف البطش والجلَد .
وليس في يده مالٌ يديه به ... ولم يكن ببواءٍ عنه في القَوَد .
فأنشدت جعدَةٌ مِن بعدِ ما احتسبَت ... دمَ الأُبيلَق عند الواحد الصمد .
تقول للنفس تأساءً وتَعزيةً ... إحدى يَدَيَّ أصابتني ولم تُرِد .
كِلاهما خلَفٌ من فَقدِ صاحبِهِ ... هذا أخي حين أَدعوه وذا وَلدي .
وهذان البيتان تضمينٌ من أبيات الحماسة وحضر الحَيص بَيص ليلةً عند الوزير في شهر رمضان على السماط فأخذ ابن الفضل قَطاة مشوية وقدمها إلى الحيص بيص فقال الحيص بيص للوزير : يا مولانا هذا الرجل يؤذيني فقال الوزير : وكيف ذلك ؟ قال : لأنه يشير إلى قول الشاعر : .
تَميمٌ بِطرفِ اللؤم أهدَى من القطا ... وَلَو سَلكَت سَبل المكارم ضَلّت .
وكان الحيص بيص تميميَّا ودخل ابن الفضل يوماً على الوزير المذكور وعنده الحيص بيص فقال : قد عملتُ بيتين لا يمكن أن يُعمل لهما ثالثٌ فقال الوزير : وما هما ؟ فأنشده : .
زار الخَيالُ بَخيلاً مِثلَ مُرسله ... فما شَفائِيَ منه الضَمُّ والقُبَلُ .
ما زارني قَطُّ إلاّ كي يوافقَني ... على الخيال فينفيه ويَرتحل .
فالتفت الوزير إلى الحيص بيص وقال : ما تقول في دعواه ؟ فقال : إن أعادهما سمع الوزير لهما ثالثاً فقال الوزير : أعدهما فأعادهما فوقف الحيص بيص لُحَيظةً ثم قال : .
وما درَى أن نومي حيلةٌ نُصِبت ... لِطَيفِه حين أَعيا اليَقَظَةَ الحِيَلُ .
فاستحسن الوزير منه ذلك وهجا ابن الفضل قاضي القضاة جلال الدين الزينبي بقصيدة كافية فسيّر إليه أحد الغلمان فأحضره وصفعه وحبسه فطال حَبسُه فكتب إلى مجد الدين بن الصاحب أُستاذ دار الخليفة : .
إليك أظلُّ مجدَ الدين أشكو ... بلاءً حَلَّ لستُ له مُطِيقَا .
وقوما بلّغوا عنّي مُحالاً ... إلى قاضي القضاة الندب شِيقا .
فأحضرني بباب الحُكم خَصمٌ ... غليظٌ جرّني كُمّاً وزريقا .
وأخفق نعلَهُ بالصَّفع رأسي ... إلى أن أوجس القلبَ الخَفوقا .
على الخصم الأداءِ وقد صفِعنا ... إلى أن ما تهدّينا الطريقا .
فيا مولاي هَب ذا الإفكَ حقاً ... أيحبَسُ بعد ما استوفى الحقوقا .
فأطلقه من الحبس فقال : .
عند الذي طَرَّفَ بي أنه ... قد غَصَّ من قَدري وآذاني .
والجبسُ ما غيّر لي خاطِراً ... والصَّفعُ ما لَيَّن آذاني