ودخل يوماً على الوزير بن هبيرة وعنده نقيب الأشراف وكان يَنسب إلى البخل وكان في شهر رمضان والحَرّ شديدٌ فقال له : أين كنتَ ؟ فقال : كنت في مطبخ سيّدي النقيب فقال الوزير : ويلك في شهر رمضان في المطبخ فقال : وحياة مولانا كسرتُ الحرَّ فتبسم الوزير وضحك الحاضرون وخجل النقيب وقصد دار الأكابر في بعض الأيام فلم يُؤذَن له فعزّ عليه فأخرجوا من الدار طعاماً لكلاب الصيد وهو يُبصره فقال : مولانا يعمل بقول الناس " لعن الله شجرةً لا تُظِل أهلَها " ولما ولي الزينبي الوزارة دخل ابن الفضل والمجلس محتفل بالرؤساء والأعيان فوقف بين يديه ودعا له وأظهر السرور والفرح ورَقَصَ فقال الوزير لبعض مَن يُفضي إليه بسرّه : قبح الله هذا الشيخ فإنه يُشير برقصه إلى قولهم : أرقص للقرد في دولته وقد نظم هذا المعنى وكتبه إلى بعض الرؤساء : .
يا كمالَ الدين الذي ... هو شخصٌ مُشخَّصُ .
والرئيس الذي به ... ذَنَبُ دَهري يُمَحَّص .
كلّما قلتُ قد تَبغَه ... دَدَ قومي تَحَصَصُوا .
وغواشٍ على الرؤ ... س عليها المُقَرنص .
والرواشين والمنا ... ظر والخيل تُقرَص .
وأنا القِردُ كل يو ... مٍ لِكَلبٍ أُبصبِص .
كلُّ مَن صَفَقَ الزما ... ن له قمتُ أَرقُص .
مَحنٌ لا يفيد ذا النو ... ن منها التَبرصُص .
فمتى أسمع النِدا ... ءَ وقد جاء مخلَّص .
أبو الفضل البَيلَقاني الشافعي .
هبة الله بن أبي القاسم بن هبة الله بن يعقوب أبو الفضل الفقيه الشافعي من أهل بَيلَقان قال محبّ الدين بتن النّجار : قدم علينا حاجّاً بغداد في صفر سنة خمس وستمائة لقيناه قطعةً من شعر فلم يكن معه شيء ولا على اطره سِوى منام رآه وحكاه لنا وذكر لنا أنّه ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وصحبتُ أبا النجيب ودرستُ عليه الفقه ولبستُ منه الخِرقة سمِعت الحديث ببغداد من جماعةٍ منهم عبد القادر الجيلي ثم جلست للوعظ بمدرسة أبي النجيب وتولّيتُ الإعادة لدرسه ثم خرجتُ من يغداد في سنة ثمان واربعين وخمسمائة ثم عدتُ إليها ثانياً سنة أربع وستين وحججتُ مع الحاجّ إلى بلدي ووِليتُ به القضاء مرّتين ثم دخلتُ بغداد مرةً ثالثةً سنة تسعٍ وتسعين وحججت وعدت إلى بلدي ثم قدمت هذه المرّة في آخر سنة أربع وستمائة وكان شيخاً حسنَ الأخلاق متواضعاً .
داعي الدعاة .
هبة الله بن كامل وقيل هبة الله بن عبد الله بن كامل أبو القاسم المصري قاضي القضاة و " داعي الدعاة كان فاضلاً عالماً شاعراً أديباً متفنّناً من كبار علماء دولة العبيديين " وكان أحد الجماعة الذين سعَوا في إعادة الدولة فظفر بهم صلاح الدين يوسف وأول ما صَلَبَ هذا القاضي داعي الدعاة في سنة تسع وستين وخمسمائة بالقاهرة وكان خلفاء مصر يلقّبونه فخر الأمناء قال ابن سعيد المغربي : وكان قاضي القضاة ومن شعره : .
لئن كان حُكم النجم لا شكّ واقعاً ... فما سَعيُنا في ردّة بنجيحِ .
وإن كان بالتدبير يَبطُل حكمُه ... فقد صحّ أن الحكم غيرُ صحيح .
ومنه : .
آهِ مِن عُمرٍ تَولَّى ... وزمانٍ لا يُرَدّ .
وأناسٍ لَيس فيهم ... مع بختي مَن يُرَدّ .
أصبَحوا غُلاًّ وقد كا ... ن بهم للدَّهرِ عِقد .
أبو البركات السَّقَطي