فقال : أعطوه أعطوه فقلت : إني مملوك فدعا الحاجب وقال : اخرج فأبلغ في قيمته فدعا المقوَّمين فقال : قوِّموا غلاماً أسود ليس فيه عيب فقالوا مائةَ دينارٍ قال : إنه راعي إبل يُحسِن القيامَ عليها قالوا : مائتا دينارٍ قال : إنه يَبري القِسيَّ والنَّبل ويَريشها قالوا : أربعمائة دينار قال : إنه رواية للشعر قالوا ستمائة دينار قال : إنه شاعر لا يلحَن قالوا : ألف دينار قال عبد العزيز : ادفعها إليه فقلت له : أصلح الله الأمير ثمن بعيري الذي ضلّ قال : كم ثمنه ؟ قلت : خمسة وعشرون ديناراً قال : ادفعوها إليه قلت : فجائزتي لنفسي عن مديحي إياك قال : اشتر نفسك ثم عُد إلينا . ووفد النصيب على الحكم بن المطلب وهو ساعٍ على بعض صدقات المدينة . فأنشده : .
أيا مروانَ لستَ بخارجي ... وليس قديمُ مجدِك بانتحال .
أغّرُّ إذا الرِواقُ انجابَ عنه ... بدا مِثل الهلالِ على المِثال .
تراآه العيون كما تَرَاءى ... عَشِية فِطرِها وَضَحَ الهلال .
فأعطاه أربعمائة ضانية ومائة لقحة ومائتي دينار . وقال : نصيب : عُلِّقتُ جاريةً حمراء فمكثتُ زمانا تُمَنِّيني الأباطيل فلما ألححت عليها قالت : إليك عني فو الله لكأنك من طوارق الليل فقلت : والله وأنتِ لكأنكِ من طوارق النهار فقالت : وما أظرفك يا أسود ؟ فغاظني قولها فقلت لها : تدرين ما الظرف ؟ إنما الظرفُ العقلُ ثم قالت لي : إنصرف حتى أنظر في أمرك . فأرسلت إليها بهذه الأبيات : .
فغن أَكُ أسوداً فالمسكُ أحوى ... وما بِسواد جِلدي من دواءِ .
ومِثلي في رحالكم قَليلٌ ... ومثلكِ ليس يُعدمُ في النساء .
فإن ترضي فرُدي قولَ راضٍ ... وإن تأبي فنحن على السَّواد .
قال فلما قرأت الشعر تزوجني ودخل نصيب على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق فأنشده شعرا لم يرضه وكّلَّحَ في وجهه وقال لنصيب : قم فأنشِد مولاك فقام فأنشده : .
أقول لِرَكبٍ صادرين لَقيتُهم ... قِفا ذات أوشالٍ ومولاك قاربُ .
قِفوا خبِّروني عن سليمان إنني ... لِمعروفهِ من آل وَدَان طالب .
فعاجوا فأثنَوا بالذي أنت أهلُه ... ولو سكتوا أثنَت عليك الحقائب .
وقالوا عَهِدناه وكلَّ عَشِيةٍ ... على بابه من طالبي العُرف راكبُ .
هو البَدر والناس الكواكب حوله ... ولا يُشبِهُ البدر المضيء الكواكبُ .
فقال : أحسنت يا نصيب وأمر له بجائزة ولم يصنع ذلك بالفرزدق فقال الفرزدق : .
خيرُ الشعرِ أكرمه رجالا ... وشر الشعرِ ما قال العَبيدُ .
كان الأصمعي ينشد لنصيب يستجيده : .
فإن يكَ من لوني السواد فإني ... لكالمسك لا يَروَى من المسك ناشقُه .
وما ضرّ أثوابي سوادي وتحتها ... لباس من العلياء بيضٌ بنايقه .
نُصيب الأصغر .
نصيب الأصغر مولى المهدي كان قد نشأ باليمامة فاشتراه المهدي فلما سمع شعره قال : واله ما هو بدون نصيب بني مروانَ وأعتقه وزوجه أمةً وكنّاه أبا الحجناء وأقطعه ضَيعة بالسواد وعُمِّر بعده ومدح هارونَ الرشيد بقوله : .
أللبَينِ يا ليلى جِمالُكَ تَرحَل ... لِيقطعَ منا البينُ ما كان يوصَلُ .
تُعلِّلُنا بالوعدِ ثُمتَ تلتوي ... بموعدها حتى يموتَ المُعَلِّل .
فلا الحبل من ليلى يؤاتيك وصلُه ... ولا أنت تنهَى القلبَ عنها فيذهَل .
خليلي إني ما يزال يشوقني ... قَطينُ الحِمَى والظاعنُ المتحمِّل .
فأقسمتُ لا أَنسى لياليَ مَنعِجٍ ... ولا مأسلٍ إذ منزل الحي مأسِل .
أمن أجلِ آياتٍ ورسمٍ كأنه ... بقية وحيٍ أو كتابٌ مفصَّل .
فيا أيها الزنجي مالك والصَّبَى ... أفِق عن طلاب البيض إن كنت تعقِل .
فمثلك من أُحبوشة الزنج قطعَت ... رسائلُ أسبابٍ بها يتوصل .
قصدنا أمير المؤمنين ودونَه ... مهامهُ مَوماةٍ من الأرض مَجهَل .
على أرحَبياتٍ طوى السرّ فانطوت ... شمائلها مما تُحلّ وتَرحَل