إذا انبلجَ البابانِ والسِّتر دونه ... بدا مثلما يبدو الأغر المحجَّل .
شريكان فينا منه عينٌ بصيرةٌ ... كَلوءٌ وقلبٌ حافظ ليس يغفُل .
فما فات عينيه رَعاهُ بقلبه ... وآخر ما يرعى سواءٌ وأول .
وما نازَعت فينا أمورك هَفوةٌ ... ولا خَطَلٌ في الرأي والرأي يخطَل .
لئن نال عبد الله قبلُ خلافةً ... لأنتَ من العهد الذي نِلتَ أفضَل .
إذا اشتبهت أعقابُه بينَت له ... معارفُ في أعجازه وهو مُقبلُ .
وما زادك المُلك الذي نلتَ بَسطةً ... ولكن بتقوى اللهِ أنت مُسَربل .
ورثتَ رسول الله عُضواً ومفصِلا ... وذا من رسولِ الله عُضو ومفصل .
على ثقةٍ منا تَحِنُّ قلوبُنا ... إليك كما كنا أباك نُؤمِّل .
إذا ما رهِبنا من زمانٍ مُلِمةً ... فليس لنا إلا عليك مُعوَّل .
ووجه المهدي نصيباً إلى اليمين في شراء إبلٍ مهرِيَّة ووجه معه رجلا من الشيعة وكتب معه إلى عامله باليمن بعشرين ألف دينار فمد نصيب يده في الدنانير يُنفقها وويشرب بها ويتزوج الجواريَ فكتب الشيعيُّ يخبره إلى المهدي فأمره بحمله موثقاً في الحديد فلما دخل على المهدي أنشده : .
تأوّبني ثِقل من الهَم مُوجَعُ ... فأرق عيني والخَلِيُّون هُجَّعُ .
همومي توالَت لو أطاف يسيرُها ... بسَلمَى لظلت صُمِّها تتصدع .
ولكنها نِيطَتْ فناءَ بحملها ... جهيرُ المنايا حائن النفس مَجزَع .
وعادت بلاد الله ظلماءَ حِندساً ... فخِلتُ دُجى ظلمائها لا تَقشَع .
منها : .
إليك أمير المؤمنين ولم أجد ... سِواك مُجيراً يُدني ويَمنَعُ .
تلمستُ هل من شافع لي فلم أجد ... سوى رحمةٍ أعطاكها الله تشفَع .
لئن جلّتِ الأجرام منّي وأفظعَت ... لَعَفوُك من جُرمي أجلُّ وأوسع .
لئن لم تَسَعني يا ابن عم محمدٍ ... فما عجزَت مني وسائلُ أربع .
طُبِعتَ عليها صِبغةً ثم لم تزل ... على صالح الأخلاق والدين تُطبَع .
تَغابيك عن ذي الذَّنب ترجو صلاحَه ... وأنت ترى ما كان يأتي ويَصنع .
وعفوك عمَّن لو تكون جَزيتَه ... لطارت به في الجو نكباءُ زَعزع .
وإنَّك لا تنفك تُنعِش عاثراً ... ولم تعترضه حين يكبو ويخمَع .
وحلمك عن ذي الجهل من بعدِ ما جرى ... به عَنَقٌ من طائش الجهل أشنع .
ففيهنّ لي إما شفَعن منافعٌ ... وفي الأربع الأُولى إليهن أفزع .
مُناصحتي بالفعل إن كنتَ نائباً ... إذا كان دانٍ منك بالقول يخدَع .
وثانيةٌ ظني بك الخير عادةً ... وإن قلتَ عبدٌ ظاهرُ الغِشّ مُشبَع .
وثالثة إني على ما هوِيتَه ... وإن كثَّر الأداءُ فيَّ وشنّعوا .
ورابعة إني إليك يسوقني ... ولائي تولاك الذي لا يُضيَّع .
وإني لمولاك الذي إن حَفِيتَه أتى مستكينا خاضعا يتضرّع .
فقطع عليه المهدي الإنشاد ثم قال له : ومن أعتقك يا ابن السوداء فأومأ بيده إلى الهادي وقال : الأمير يا أمير المؤمنين فقال المهدي لموسى : أأعتقتَه يا بني ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين فأمضى المهدي ذلك وأمر بحديده فَفُكّ عنه وخلع عليه عدةً من الخلع الخز والوَشي والسواد والبياض ووصله بألفيّ دينارٍ وأمر له بجارية يقال لها جعفرة جميلة فائقة من روُقة الرقيق فقال له سالمٌ : قيم دار الرقيق لها أدفعها إليك أو تُعطيني ألف درهمٍ فقال قصيدته : .
أأذنَ الحيّ فانصاعوا بتَرحالِ ... فهاج بينهم شوقي وبلبالي .
وقام بها بين يدي المهدي فلما قال : .
ما زلتَ تبذلُ لي الأموالَ مجتهداً ... حتى لأصبحتُ ذا أهلٍ وذا مال .
زوجتَني يا ابن خيرِ الناس جاريةً ... ما كان أمثالُها يُهدَى لأمثالي