نصر الله بن عبدِ الله بن مخلوف بن علي بن قلاقس القاضي الأغرّ أبو الفتح اللخمي الأزهري الإسكندري كان سُناطاً كثير الأسفار دخل اليمن ومدح أهلها وعاد مُثرِياً فغرق جميع ما بقرب دَهلك فردّ إلى ياسر بن بلالٍ وهو عُريان ومدحه بقصيدته التي أولها : .
صدرنا وقد نادى السَّماحُ بنا رِدوا ... فعُدنا إلى مَغناكَ والعَودُ أحمدُ .
وفي ابن قلاقس يقول الوجيه الذَروي : .
قلتُ وأَيرِي في حَشاه ... وقد أنشدني من شعره الباردِ .
يا ريحَ مَفساه ويا شِعرَه ... كلاكما من مَخرَجٍ واحد .
وقال فيه أيضاً : .
يا سائلي عن أبي الفتوح وعن ... عيشته في البلاد من أينِ .
يعيش من شعره وفقحَته ... فاعجَب لمن عاش من كَنِيفَين .
ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وتوفي بعَيذاب في شوال سنةَ صقلِّية ومدح مَلِكَها الإفرنجي غُليُلم يقال : إن من جملة ما أعطاه مركباً مَملوءاً جُبناً . ولما قدم إلى الإسكندرية خرج الناس للسلام عليه فلما نزل من المركب رآه أبو العباس أحمد بن أبي الصَّلاح فشهق له وقال : .
أطلَّ هلال الفاسقين فلا أهلا ... فلا مَرحباً بالقادمين ولا سهلا .
ولابن قلاقيس نثرٌ جيدٌ وهو من الشعراء المجيدين ولعلّه لو عمِّر لكان شعره ازداد جُودةً ومن شعر ابن قلاقس : .
لا تثنِ جيدَكَ إنَّ الروضَ قد جيدا ... ما عَطَّلَ القطرُ من نُوَارِه جِيدا .
إذا تبسَّم ثغرُ المُزن عن يقَقٍ ... فانظرهُ في وَجَناتِ الورد توريدا .
وإن تَنَثَّرَ ذُرٌّ منه فاجتَلهِ ... بمبسم الأقحوان الغَضِّ مَنضودا .
واستنطقِ العُودَ أو فاسمع غرائِبهُ ... من ساجعٍ لَحنُهُ يسترقص العُودا .
يشدو وينظرُ أعطافاً منمَّقةً ... كأنه آخِذٌ عنها الأغارِيدا .
ماذا على العِيس لو عادت بربتها ... مقدارَ ما تتقاضاها المواعيدا .
رُدَّ الركابَ لأمرٍ عَنَّ ثانيةً ... وسَمِّهِ في بديع الحُبّ ترديدا .
وقِف أبثُّك ما لان الحديد له ... فإن صدقت فقل هل صرت دوادا .
حُلَّت عُرى النوم عن أجفان ساهرةٍ ... ردّ الهوى هُدبها بالنجم معقودا .
تفجرت وعصا الجوزاءِ تَضرِبُها ... فذكَّرتنيَ مُوسى والجلاميدا .
يا ثعلبَ الفجر لا سِرحانَ أولهُ ... خُذِ الثُّريا فقد صادفتَ ُنقودا .
وقال : .
سُفحت عيونُ الغَيم أدمُع قَطرِه ... فالروضُ يضحكُ عن مباسم زهرِهِ .
وسَرى النسيمُ بقهوةٍ حيَّى بها ... دَوحاً لَوَت عطفيهِ راحة سكره .
وسرى بمؤتنق الحدائق قانصاً ... فأثار طامِسَ عرفها عن ذكره .
وانشقَّ جَيبُ الأُفق عن متألقٍ ... ينجابُ تقطيب الظلام بتبره .
وكأنه ظَنّ النجوم كواعباً ... فرمى لها بملاءة من فجره .
وكأن ّ ذا الرعثاتِ ينشد إثرها ... شجوا أثارا البَينُ سالِفَ ذكره .
ودعا بحيَّ على الصَّبوح مُؤمَّرٌ ... حَتمٌ على الظرفاء طاعةُ أمره .
تزهي فضول التاج مَفرق رأسه ... ويهُزّ رقم الوجه مُرهف خَصره .
غنَّى فهزّ قَوام قسيس الدُجا ... طرباً فشقَّ صدارَها عن صدره .
وارتاع من ماء الصباح فشمرت ... أذيال حُلته لفائض نحره .
فاقذِف شياطين الهموم بأنجُمٍ ... تَثني الخَليع إلى السرور بأسره .
بزُجاجةٍ حيَّاك منها قَيصرٌ ... وكأنما هو في جوانب قصره .
ما ألبسته الراحُ ثوباً مُذهبا ... إلا وقلده الحَباب بدرّه .
يسقيكها رشأٌ كأنّ مذاقها ... من ريقه وحبابها من ثغره .
أرسلتُ لحظي رائداً فأضلّه ... ليلٌ يُمد بعُذره وبغّدره