وترددت الرسل بينه وبين الطنبغا وطال الأمر ولم يزالوا كذلك إلى أن وصل الأمير علاء الدين الطنبغا من حلب وتنزل القطيفة وأقام بها ثلاثة أيام وجبن عن لقاء الفخري ومعه عسكر دمشق وعسكر حلب وعسكر طرابلس في عدة تسعة عشر ألف فارس وضعفت نفوس الذين مع الفخري وهموا بالهروب لأنهم دون الثلاثة آلاف فارس بل ولا يصلون إلى ألفين .
لكن كان معه جبلية من أهل بعلبك والبقاع وترددت القضاة بينهما ومال الفخري إلى الصلح وقال : ارجع عنك بشرط أن توفي عني مال الأيتام لأنني أنفقته على من معي من العسكر ولا تقطع من رتبته في وظيفة .
فتوقف الطنبغا وطال التردد بينهما والعسكران في المصاف وهلك من مع الطنبغا من الجوع لأن عسكر الفخري حال بينه وبين دمشق وسيب المياه على المرج فحال بينه وبين حريمه وبين العسكر وبين دمشق ولو نزل الطنبغا ولم يقف بالقطيفة داس الفخري وعسكره دوساً .
ولو وافق الفخري على ما أراد ودخل إلى دمشق دخلها ملكها وبقي على حاله نائباً والفخري ضيفاً عنده تحت أوامره ونواهيه ولكن إذا أراد الله أمراً بلغه .
فلم يكن ذلك النهار إلا بمقدار الثالثة من النهار حتى مال العسكر الدمشقي بمجموعه إلى الفخري وحركوا طبلخاناتهم وتركوا الطنبغا وحده على ما مر في ترجمته فهرب في من هرب معه من الأمراء ودخل الفخري بعساكره إلى دمشق وملكها ونزل القصر الأبلق وأخذ في تحليف العساكر للسلطان الملك الناصر أحمد وجهز إليه ليحضر إلى دمشق فقال : جهز لي الأمراء الكبار الذين عندك فوجه إليه الأمير سيف الدين طقزتمر والأمير بهاء الدين اصلم والأمير سيف الدين قماري والأمير علم الدين سليمان بن همنا فتوجهوا إلى الكرك وعادوا ولم يحضر إليه ووعده بأنه إذا حضر الأمير طشتمر نائب حلب حضرت وعادوا ولم يحضر إليه ووعده بأنه إذا حضر الأمير طشتمر بلاد الروم ولم يزل في الليل والنهار يعمل على ذلك إلى أن حضر ووصل إلى دمشق فخرج وتلقاه ونزل بالنجيبية على الميدان وحمل إليه مالا عظيماً .
ووردت كتب السلطان الملك الناصر أحمد إلى الأمراء الأكابر بالشام تتضمن أن الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري هو كافل الشام يولي النيابات الكبار لمن يختار فوجه الأمير علاء الدين طيبغا حاجي إلى حلب نائباً ووجه الأمير حسام الدين طرنطاي البشمقدار إلى حمص نائباً ووجه الأمير سيف الدين طينال إلى طرابلس نائباً وشرع في عمل آلات السلطنة وشعرا الملك ويسأل من السلطان الحضور إلى دمشق وهو يسوف بهما إلى أن عزم الفخري وطشتمر على التوجه غليه بالعساكر فلما خرجوا من دمشق وسمع بهم توجه هو وجده إلى القاهرة فتوجها بالعساكر فلما قاربا القاهرة بعث إلى الفخري والي طشتمر من يتلقاهما وأكرم نزلهما .
واستتب الأمر للسلطان الملك الناصر أحمد وحلف المصريون والشاميون له .
وكان افخري يومئذ واقفاً مشدود الوسط بيده عصا محتفلاً بالأمر احتفالاً كبيراً .
وخرج الأمير شمس الدين آقسنقر الناصري إلى غزة نائباً وخرج الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي إلى صفد نائباً وخرج الأمير سيف الدين الحاج الملك إلى حماة نائباً وخرج الأمير علاء الدين ايبدغمش إلى حلب نائباً وخرج قطلوبغا الفخري بعد الجميع إلى دمشق نائياً .
فلما كان قريباً من العريش لحقه الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني في ألفي فارس لإمساكه والقبض عليه فأحس بالقضية ففرق ما معه من الأموال وهرب في نفر قليل من مماليكه ولحق بالأمير علاء الدين أيدغمش وهو على عين جالوت مستجيراً به فأكرم نزله أول قدومه ثم بدا له فيما بعد فأمسكه وجهزه مع ولده أمير علي إلى القاهرة .
فلما بلغ السلطان إمساكه خرج إلى الكرك وأخذ معه طشتمر وكان قد أمسكه أولاً على ما تقدم في ترجمته وسير إلى أمير علي من تسلم منه قطلوبغا الفخري وسار به إلى الكرك فدخل السلطان الكرك واعتقل الفخري وطشتمر بالكرك مدة يسيرة .
فيقال إنهما في ليلة كسرا باب حبسهما وخرجا فلو ملكا سيفاً أو سلاحاً ملكا القلعة تلك الليلة .
وكان السلطان قد بات خارج القلعة فلما أصبحا أحضرهما وقتلهما صبراً