وقيل : إنه توجه مرة إلى بابه وأقام فيما قيل من بكرة إلى الظهر حتى أذن له في الدخول . فلما خرج معه شد الشلو في وسطه وكان يركب في خدمته ويترجل قبل نزوله في ركابه ويمشي بالخف من غير سرموزة ويحصل الصيد بين يديه ويطعم طيوره .
ولم يزل يدخل إلى قلبه بالخدمة حتى أحبه ومال إليه . قال تنكز مرة : والله اشتهي أن اركب مرة وما أخرج التقي الفخري واقفاً ينتظرني .
قيل : إنه كان له واحد واقفاً دائماً بدار السعادة متى قدمت فرس تنكز للركوب توجه إليه وأعلمه ويكون هو قاعداً متأهباً للركوب فيركب ويقف لانتظاره فأحبه حباً شديدة حتى لم يبق عنده بدمشق اعز منه .
وقال : والله لو خدم أستاذه عشر هذه الخدمة ما كان نال أحد مرتبته .
كانوا يوماً في ضيافة الأمير صلاح الدين يوسف ابن الملك الأوحد وقد شربوا القمز فدخل عليهم الأمير سيف الدين أوران الحاجب وهو عند تنكز بمحل كبير فأخذ قطلوبغا الهناب وقام وقال : عندك يا أمير فلم يقبله فالح عليه فلم يوافقه فقال تنكز : عندي يا أمير أنا أحق بك والله يا أمراء ما عند أستاذنا أكبر منه ولا أعز ولو وطأ نفسه قليلاً ما كان فينا يصل إلى ركابه وأخذ في الثناء عليه والشكر منه . ومنها كان الواقع وانتحس أوران بها إلى أن مات .
وكان إذا شفع عنده لا يرده . ولم يزل إلى أن ترضى له السلطان .
وكان يحضر إليه بعد ذلك الخيل والجوارح من السلطان ولم يزل إلى أن كانت واقعة تنكز فكتب السلطان إلى افخري في الباطن وقال له : يا ولدي ما خبأتك إلا لهذا اليوم أبصر كيف تكون وهذا من راح معه راح بلا دينا ولا آخرة .
فاجتمع هو والأمراء بدمشق وخرجوا إلى الأمير سيف الدين طشتمر وأمسكوا تنكز - على ما تقدم في ترجمته - فنظر إليه والتركاش في وسطه فقال له : يا فخري لا إله إلا الله ولا أنت الآخر بالتركاش ؟ ! .
فقال : ما شد إلا في يومه . ثم إنه أقام بعده بدمشق إلى أن حضر الأمير سيف الدين بشتاك وأخذ وتوجه بها .
ثم توجه قطلوبغا إلى مصر فطلبه وعظمه السلطان زائداً .
ولم يزل في أعز مكانة إلى أن توفي السلطان الملك الناصر فأظهر الميل إلى قوصون وكان معه على بشتاك . وحضر إلى الشام ونزل في القصر الأبلق وحلف الناس بعد السلطان لابنه الملك المنصور أبي بكر وذلك أيام الأمير علاء الدين الطنبغا فخرج الناس وتلقوه ودعوا له وخصصوه بالدعاء دون ألطبغا وقدم له الأمراء وغيرهم بدمشق وحلف الناس وتوجه فلما جرى للمنصور ما جرى وخلعوه وملكوا الأشرف علاء الدين كجك أخاه وجعلوا الأمير سيف الدين قوصون نائبه مال الفخري إلى قوصون ميلاً عظيماًَ وقام بنصره .
وطلب قوصون من يتوجه إلى الكرك لحصار السلطان الملك الناصر أحمد فلم يجسر أحد غير الفخري فخرج هو والأمير سيف الدين قماري في ألفي فارس إلى الكرك وحصر الناصر أحمد ووسط جماعة من أهل الكرك وبالغ وربما أفحش في الكلام للناصر أحمد فحقدها عليه .
ثم لما بلغه أن الأمير علاء الدين الطنبغا نائب دمشق توجه إلى حلب لإمساك طشتمر الساقي نائبها وخلت دمشق من العسكر حضر الفخري إليها وترك الكرك فخرج أهل دمشق إليه وتلقوه ودعوا له فدخلها ونزل على خان لاجين واقترض من مال الأيتام مبلغ أربعمائة للف درهم ونفق في من معه من العساكر ولحق الأمير بهاء الدين أصلم وهو على قارا بعسكر صفد ليلحق الأمير علاء الدين الطنبغا بحلب فبعث إليه رده وطلب الأمراء الذين تخلفوا في بر دمشق فحضروا إليه وأقام بخان لاجين وكتب إلى الأمير سيف الدين طقزتمر الساقي وهو ائب حماة فحضر إليه وتلاحق الناس به .
ولما حضر إليه الأمير سيف الدين طقزتمر قوي جأشه وجأش من معه . وكان لما دخل إلى دمشق أحضر الناس وحلفهم للسلطان الملك الناصر أحمد ودعا الناس إلى بيعته ومال الخلق إليه واستخدم الجند البطالة ورتب أناس في وظائف وأحبه الناس كثيراً .
وحضر إليه الأمير شمس الدين آقسنقر السلاري لما كان بغزة وأمسك الطرقات وربطها على من يروح من حلب إلى مصر أو يجيء من مصر إلى حلب ويمسك البريدية ويأخذ ما معم .
وعمى الأخبار على قوصون وعلى الطنبغا وظهر بعزم كبير وحزم كبير وساعده القدر وخدمته السعادة زائداً وبقي أمره كلما جاء يقوى وأمر الطنبغا كلما جاء يضعف