وصنف الحريري مقاماته للوزير شرف الدين أنوشروان بن خالد القاشاني وزير المسترشد .
وصنف درة الغواص في أوهام الخواص . وملحة الإعراب وسبحة الآداب . والمقامات . وله ديوان رسائل وديوان شعر .
وليس شعره ولا رسائله من نمط المقامات حتى كأن قائلها غير قائل تلك الرسائل وتلك الأشعار . وقيل : إن مسوداتها كانت حمل جمل وهذه مبالغة من القائل .
سمع من أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى المقرئ وأبي القاسم ابن الفضل القصباني الأديب وقرأ على أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي وتفقه على أبي نصر ابن الصباغ وأبي إسحاق الشيرازي .
وقرأ الفرائض والحساب على أبي حكيم المندائي الواسطي وأبو الكرم الكرابيسي والوزير علي بن طراد وأبو علي ابن المتوكل وقوام الدين علي بن صدقة الوزير والحافظ ابن ناصر وعلي بن المظفر الظهيري ومنوجهر تركانشاه وأحمد بن علي الناعم وأبو بكر ابن النقور ومحمد بن أسعد العراقي وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأزجي . وآخر من روى عنه بالإجازة أبو طاهر بركات الخشوعي .
وكان الحريري غنياً له ثمانية عشر ألف نخلة . وقيل : إنه كان قذراً في نفسه وشكله ولبسه قصيراً دميماً بخيلاً مولعاً بنتف ذقنه ؟ توفي في سادس شهر رجب سنة ست عشرة وخمسمائة ومولده سنة ست وأربعين وأربعمائة بالبصرة .
وخلف ولدين : نجم الدين عبد الله وقاضي البصرة ضيا الإسلام عبيد الله .
وقد واخذه ابن الخشاب في المقامات وأجابه ابن مري عنها وأجابه أيضاً المسعودي عن ذلك .
والذي علمته من الشروح للمقامات الحريرية شرحان لابن ظفر كبير وصغير وشرحان للمسعودي وشرح ابن الأنباري وشرح أبي البقاء وشرح المطرز وشرح الشريشي وهو جيد وشرح صفي الدين عبد الكريم اللغوي وشرح أبي الخير سلامة الأنباري الضرير النحوي وشرح محمد بن أسعد بن نصر البغدادي الحنفي وشرح محمد بن أحمد الزهري المالقي وشرح محمد بن علي الحلي المعروف بابن حميدة وشرح محمد بن علي الجاواني الخلوي وشرح القاسم بن القاسم الواسطي على حروف المعجم .
وله أيضاً شرح آخر على ترتيب آخر . وشرح ابن أبي طيء الحلبي الشيعي . وشرح أحمد بن داود الغناطي .
وقال العماد في الخريدة : لم يزل ابن الحريري صاحب الخبر بالبصرة في ديوان الخلافة ووجدت هذا المنصب لأولاده إلى آخر العهد المقتفوي .
قال ياقوت : حدثني من أثق به أن الحريري لما صنع المقامة الحرامية وتعانى الكتابة فأتقنها وخالط الناس والكتاب أصعد إلى بغداد فدخل يوماً إلى ديوان السلطان وهو منغص بذوي الفضل والبلاغة محتفل بأهل الكفاية والبراعة وقد بلغهم ورود ابن الحريري إلا أنهم لم يعرفوا فضلله ولا أشهر بينهم بلاغته ونبله .
فقال له بعض الكتاب : أي شيء تتعانى من صناعة الكتابة حتى نباحثك فيه ؟ فأخذ بيده قلماً وقال : كل ما يتعلق بهذا وأشار إلى القلم . فقيل له : هذه دعوى عظيمة فقال : امتحنوا تخبروا . فساءله كل واحد عما يعتقد في نفسه إتقانه من أنواع الكتابة فأجاب عن الجميع أحسن جواب وخاطبهم بأتم خطاب حتى بهرهم وانتهى خبره إلى الوزير أنوشروان بن خالد فأدخله عليه ومال إليه بكليته وأكرمه ونادمه .
فتحادثا يوماً في مجلسه حتى انتهى الحديث إلى ذكر أبي زيد السروجي فأورد ابن الحريري المقامة الحرامية التي صنعها فاستحسنها أنوشروان جداً وقال : ينبغي أن يضاف إلى هذه أمثالها وينسج على منوالها عدة من أشكالها . فقال : أفعل ذلك مع رجوعي إلى البصرة وتجمع خاطري بها .
ثم انحدر إلى البصرة فصنع أربعين مقامة ثم أصعد إلى بغداد وهي معه وعرضها على أنوشروان فاستحسنها وتداولها الناس ؟ .
واتهمه من يحسده بأن قال : ليست هذه من عمله لأنها لا تناسب رسائله ولا تشاكل ألفاظه . وقالوا : هذه من صناعة رجل كان استضاف به ومات عنده فادعاها لنفسه . وقال آخرون : بل العرب أخذت بعض القوافل وكان مما أخذ جزاز بعض المغاربة وباعه العرب بالبصرة فاشتراه ابن الحريري وادعاه فإن كان صادقاً أنها من عمله فليصنع مقامة أخرى .
فقال : نعم سأصنع وجلس في منزله ببغداد أربعين يوماً فلم يتهيأ له تريب كلمتين ولا الجمع بين لفظين وسود كثيراً من الكاغد فلم يصنع شيئاً فعاد إلى البصرة والناس يقعون فيه ويعيطون في قفاه كما تقول العامة