وكان مرداويج بن زيار أحد قواده فخرج عليه فحاربه فظفر به مرداويج فقتله وملك مكانه وعمل لنفسه سريراً من ذهب فجلس عليه واشترى عبيداً كثيرة من الأتراك وجعل يقول : أنا سليمان وهؤلاء الشياطين .
وكان فيه ظلم وجبروت فدخل عليه غلمانه الأتراك فقتلوه في الحمام وولوا عليهم أخاه وشمكير فاستولى على جرجان وطبرستان ودامت الحرب بينه وبين ركن الدولة ابي علي ابن بويه نيفاً وعشرين سنة .
وكب في آخر أيامه فرساً له فعارضه خنزير فشب به الفرس وهو غافل فسقط على دماغه فهلك .
وكتب ابن العميد عن ركن الدولة كتاباً قال فيه : الحمد لله الذي أغنانا بالوحوش عن الجيوش . وقام بعده ابنه ابو منصور بهستون وشمكير مقامه وتوفي سنة سبع وستين وثلاثمائة .
وكان عضد الدولة بن بويه زوج ابنة بهستون فنفذ معز الدولة إلى المطيع وسأله أن ينفذ إليه العهد على جرجان وطبرستان والخلع ففعل ذلك ولقبه ظهير الدولة ووصله ما نفذ إليه في جمادى الأولى سنة ستين وثلاثمائة فزين بلاده للرسول ونزل عن سريره عند وصول الخلع إليه ونثر عليه النثار العظيم ونفذ للمطيع في جواب اللقب ستين ألف دينار عيناً وغير ذلك من الثياب والخيل .
ولما توفي خلف أخاه قابوس بن وشمكير ونفذ إليه الطائع الخلع والعهد على طبرستان وجرجان ولقبه شمس المعالي .
وكان قابوس فاضلاً أديباً مترسلاً شاعراً ظريفاً له رسائل بأيدي الناس يتداولونها .
وكان بينه وبين الصاحب بن عباد مكاتبات . وتوفي سنة ثلاث وأربعمائة .
وكان فيه عسف وشدة فسئمه عسكره وتغيروا عليه وحسنوا لابنه منوجهر حتى قبض عليه وقالوا له : إن لم تقبض أنت عليه وإلا قتلناه وإذا قتلناه فلا نأمنك على نفوسنا فنحتاج إلى أن نلحقك به فوثب عليه وقبضه وسجنه في القلعة ومنعه من ما يتدثر به في شدة البرد فجعل يصيح أعطوني ولو جل دابة حتى هلك .
وكان حكم على نفسه في النجوم أن منيته على يد ولده فأبعد ابنه دارا لما كان يراه من عقوقه وقرب ابنه منوجهر لما رأى من طاعته وكانت منيته على يد منوجهر .
ثم إن منوجهر قتل قتلته وكانوا ستة تواطؤوا عليه فقتل خمسة وهرب السادس إلى خراسان فقبضه محمود بن سبكتكين وحمله إليه وقال : إنما فعلت هذا لئلا يتجرأ أحد على قتل الملوك فقتل الآخر .
ثم مات منوجهر سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فقام ابنه أنوشروان بن منوجهر مقامه وتوفي أنوشروان سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ثم ولي ابنه حسان بن أنوشروان .
ومن شعر قابوس : .
خطرت ذكرك تستثير صبابتي ... فأحسن منها في الفؤاد دبيبا .
لا عضو لي إلا وفيه صبابةٌ ... فكأن أغصاني خلقن قلوبا .
ومنه : .
بالله لا تنهضي يا دولة السفل ... وقصري فضل ما أرخيت من طول .
أسرفت فاقتصدي جاوزت فانصري ... عن التهور ثم امشي على مهل .
مخدمون ولم تخدم أوائلهم ... مخولون وكانوا أرذل الخول .
وكان قد تمت عليه نكبة أخرجته من مقر عزه وموطن ملكه فشتتته عن الأوطان وألحقته بخراسان فأقام بها برهة من الزمان إلى أن أسفر صبحه وفاز بعد الخيبة قدحه وتحرج الزمان من جوره عليه فرد ملكه إليه فقال في تلك الحال : .
قل للذي بصروف الدهر عيرنا ... هل عاند الدهر إلا من له خطر .
أما ترى البحر تطفو فوقه جيفٌ ... ويستقر بأقصى قعره الدرر .
فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا ... فطالما كان من أشياعنا الظفر .
ففي السماء نجومٌ غير ذي عددٍ ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر .
وكتب إلى عضد الدولة وقد أهدى له سبعة أقلام : .
قد بعثنا إليك سبعة أقلا ... مٍ لها في البهاء حظ عظيم .
مرهفاتٍ كأن ألسن الحيا ... ت قد جاز حدها التقويم .
وتفاءلت أن ستحوي الأقالي ... م بها كل واحدٍ إقليم .
وقال هو في خموله : .
لئن زال أملاكي وفاتت ذخائري ... وأصبح جمعي في ضمان التفرق .
فقد بقيت لي همةٌ ما وراءها ... منالٌ لراجٍ أو بلوغ لمرتقى .
ولي نفسٌ حر تأنف الضيم مركباً ... وتكره ورد المنهل المتدفق