فقامتْ كئيباً ليس في وجهها دمٌ ... من الحزن تُذري عبرةً تتحدَّرُ .
فقالت لأختيها : أَعينا على فتًى ... أتى زائراً والأمرُ للأمرِ يُقْدَرُ .
فأقبلتا فارتاعتا ثمَّ قالتا : ... أقلِّي عليك اللوم فالخطب أيسرُ .
يقوم فيمشي بيننا متنكِّراً ... فلا سرُّنا يفشو ولا هو يظهرُ .
وكان مِجَنّي دون من كنت أتَّقي ... ثلاثُ شخوصٍ كاعبان ومُعْصِرُ .
فلمَّا أجزنا ساحةَ الحيِّ قُلنَ لي : ... ألا تتَّقي الأعداءَ والليلُ مقمرُ .
وقلن : أهذا دأبكَ الدهرَ سادِراً ... أما تستحي أو ترعوي أو تفكِّرُ ؟ .
إِذا جئتَ فامنحْ طرفَ عينكَ غيرَنا ... لكي يحسبوا أن الهَوَى حيث تنظرُ .
على أنِّني قد قلتُ يا نعمُ قولةً ... لنا والعِتاقُ الأرْحَبِيَّةُ تزجَرُ .
هنيئاً لبعلِ العامريَّةِ نشرُها الل ... ذيذُ وريَّاها الذي أتذكَّرُ .
وقمتُ إلى حرفٍ تحوَّر نيَّها ... سُرى الليلِ حتَّى لحمُها مُتحسِّرُ .
وحبسي على الحاجات حتَّى كأَنَّما ... بليَّةُ لوحٍ أو سِحارٌ مُؤبَّرُ .
وماءٍ بمَوماةٍ قليلٌ أنيسهُ ... بسابسَ لم يحدُثْ بها الصيفَ محضَرُ .
به مُبتنًى للعنكبوتِ كأنَّه ... على طرفِ الأرجاءِ خامٌ منشَّرُ .
وردتُ وما أدري أما بعدَ موردي ... من الليلِ أم ما قد مضى منه أكثرُ .
وطافتْ به معلاة أرضٍ تخالها ... إِذا التفتتْ مجنونةً حين تنظرُ .
يُنازعني حرصاً على الماءِ رأسُها ... ومن دون ما تهوى قَليبٌ مُغَوَّرُ .
محاوِلةً للوِردِ لولا زمامها ... وجذبي لها كادتْ مراراً تكسَّرُ .
فلمَّا رأيتُ الصبرَ منِّي وأنَّني ... ببلدةِ قفرٍ ليس فيها معصَّرُ .
قصرتُ لها من جانبِ الحوضِ مُنشأٌ ... صغيراً كقيد الشبرِ أو هو أصغرُ .
إِذا شرعتْ فيه فليس لملتقى ... مشافرها منه قِدَى الكفِّ مُسْأرُ .
ولا دَلْوَ إلاَّ القعبُ كان رشاءهُ ... إلى الماء نسعٌ والجديلُ المُضَفَّرُ .
فسافَتْ وما عافتْ وما صدَّ شربَها ... عن الريِّ مطروقٌ من الماءِ أكدرُ .
ومنه : .
بنفسيَ من شفَّني حبُّهُ ... ومن حُبُّهُ باطنٌ طاهرُ .
ومن لستُ أصبرُ عن ذكره ... ولا هو عن ذِكرنا صابرُ .
وما إنْ ذُكرنا جرى دمعهُ ... ودمعي لدى ذكره مائرُ .
ومَن أعرف الودَّ في وجههِ ... ويعرف وُدِّي له الناظرُ .
وقال في نُعْمٍ من أبيات : .
فلمَّا التقينا سلَّمتْ وتبسَّمتْ ... وقالتْ مقالَ المُعرضِ المتجنِّبِ .
أمن أجلِ واشٍ كاشحٍ بنميمةٍ ... مشى بيننا صدَّقتهُ لم تُكذِّبِ .
قطعتَ وصالَ الحبلِ منها ومن يُطعْ ... بذي ودِّهِ قولَ المحرِّش يُعتبِ .
فبات وِسادي معصمٌ من مخضَّبٍ ... حديثةِ عهدٍ لم تُكدَّر بمشربِ .
إذا ملتُ مالتْ كالكثيب رخيمةً ... منعَّمةً حُسَّانةَ المتجَلبَبِ .
قيل : إنَّ عمر بلغه يوماً أنَّ نعماً اغتسلت في غدير ماء فنزل عليه فلم يزل يشرب منه حتَّى نضب . قيل : ما دخل على العواتق أضرُّ من شعر عمر وكاد حمَّاد الراوية يُسمِّي شعره الفستقَ المقشَّر . وسمع الفرزدق شيئاً من شعره فقال : هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأتْه .
ويل : إنَّه عاش ثمانين سنة فتكَ أربعين سنة ونسكَ أربعين سنة . ومن شعره : .
جرى ناصحٌ بالودِّ بيني وبينها ... فقرَّبني يوم الحِصاب إلى قتلي .
فطارتْ بحدٍّ من سهامي وقرَّبتْ ... قريبتُها حبلَ الصفاءِ إلى حبلي .
فلمَّا توافقنا عرفتُ الذي بها ... كمثل الذي بي حذوَك النعلَ بالنعلِ