أهذا الذي أطريتِ نعتاً فلم أكن ... وعيشكِ أنساه لدى يومِ أُقبرُ ؟ .
فقالت : نعم لا شكَّ غيَّر لونه ... سُرى الليلِ حتَّى نصَّه والتهجُّرُ .
لئن كان إيَّاه لقد حال بعدَنا ... عن العهد والإنسانُ قد يتغيَّرُ .
رأتْ رجلاً أمَّا إِذا الشمس عارضتْ ... فيضحى وأمَّا بالعشيِّ فيحضرُ .
أخا سفرٍ جوَّاب أرضٍ تقاذفتْ ... به فَلَواتٌ فهو أشعثُ أغبرُ .
قليلٌ على ظهر المطيَّةِ ظلُّه ... سوى ما نفى عنه الرداءُ المحبَّرُ .
وأعجبَها من عيشها ظلُّ غُرفةٍ ... وريَّانُ ملتفُّ الحدائق أخضرُ .
ووالٍ كفاها كلَّ شيءٍ يهمُّها ... فليستْ لشيءٍ آخرَ الليلِ تسهرُ .
وليلة ذي دَوْرانَ جشَّمني السُّرى ... وقد يَجشمُ الهولَ المحبُّ المغَرَّرُ .
فبتُّ رقيباً للرفاق على شفاً ... أراقبُ منهم من يطوف وأنظرُ .
إليهم متى يستأخذ النومُ فيهمُ ... ولي مجلسٌ لولا اللُّبانةُ أوعرُ .
وباتتْ قَلُوصي بالعراء ورحلُها ... لطارق ليلٍ أو لمن جاء مُعْوِرُ .
وبتُّ أُناجي النفسَ : أين خِباؤها ... وأنَّى لما آتي من الأمرِ مصدرُ .
فدلَّ عليها النفسَ ريَّا عرفتُها ... به وهوى الحبِّ الذي كان يُضمرُ .
فلمَّا فقدتُ الصوتَ منهم وأُطفئتْ ... مصابيحُ شُبَّتْ بالعِشاءِ وأَنوُرُ .
وغاب قُمَيْرٌ كنتُ أرجو غيوبَه ... وروَّح رعيانٌ ونوَّمَ سُمَّرُ .
وخُفِّضَ عنِّي الصوتُ أقبلتُ مِشيةَ ال ... حُبابِ ورُكني خيفةَ القومِ أَزْوَرُ .
فحيَّيتُ إذْ فاجأتُها فتوهَّلتْ ... وكادتْ بمرجوعِ التحيَّةِ تَجهرُ .
فلمَّا كشفتُ السترَ قالت : فضحتَني ... وأنتَ امرؤٌ ميسورُ أمرك أعسرُ .
أريتك إذْ هُنَّا ألم تخفْ ... رقيباً وحولي من عدوِّكَ حُضَّرُ .
فوالله ما أدري أتعجيل حاجةٍ ... سرتْ بك أم قد نام من كنتَ تحذرُ .
فقلتُ لها : بل قادني الشوق والهوى ... إليك وما نفسٌ من الناس تشعرُ .
فقالتْ وقد لانتْ وأَفرَخَ روعُها ... كَلاكَ بحفظٍ ربُّك المتكبِّرُ .
فأنت أبا الخطَّابِ غيرَ مُنازعٍ ... عليَّ أميرٌ ما مكنتَ مُؤمَّرُ .
فيا لك من ليلٍ تقاصرَ دونه ... وما كان ليلي قبل ذلك يَقصرُ .
ويا لك من ملهًى هناك ومجلسٍ ... لنا لم يكدِّرهُ علينا مُكدِّرُ .
يمُجُّ ذكيَّ المسكِ منها مُفَلَّجٌ ... نقيَّ الثنايا ذو غروبٍ مؤشَّرُ .
يرفُّ إِذا تفترُّ عنه كأَنَّه ... حصى بَرَدٍ أو أُقحوانٌ منوِّرُ .
وترنو بعينيها إليَّ كما رنا ... إلى ظبيةٍ وسطَ الخميلةِ جؤذَرُ .
فلمَّا تقضَّى الليلُ إلاَّ أقلَّه ... وكادت هوادي نجمه تتغوَّرُ .
أشارتْ بأنَّ الحيَّ قد حان منهمُ ... هبوبٌ ولكنْ موعدٌ لك عَزْوَرُ .
فما راعني إلاَّ منادٍ : تحمَّلوا ... وقد لاح معروفٌ من الصبحِ أشقرُ .
فلمَّا رأتْ من قد تنوَّرَ منهمُ ... وأيقاظَهم قالت : أشِرْ كيف تأمُرُ .
فقلت : أُناديهم فإمَّا أفوتُهم ... وإمَّا ينالُ السيفُ ثأراً فيثأرُ .
فقالتْ : أتحقيقٌ لما قال كاشحٌ ... علينا وتصديقٌ لما كان يُؤثرُ .
فإنْ كان لا بدَّ منه فغيره ... من الأمرِ أدنى للخفاءِ وأسترُ .
أقصُّ على أختيَّ بدء حديثنا ... وما ليَ من أن يعلما متأخَّرُ .
لعلَّهما أن يبغيا لك مخرجاً ... وأن يَرْحبا سرباً بما كنتُ أحصَرُ