عمر بن حسن بن علي بن محمد الجُميِّل بن فَرْح - بسكون الراء وبالحاء المهملة - بن خلف بن قُومِس بن مَزْلال بن ملاّل بن أحمد بن بدر بن دِحْية ابن خليفة ؛ كذا نسب نفسه العلامة أبو الخطاب بن دِحية الكلبي الدَّاني السَّبتي . كان يكتب لنفسه : ذو النسبين بن دحية والحسين . قال أبو عبد الله بن الأبَّار : كان يذكر أنَّه من ولد دحية الكلبي وأنَّه سِبط أبي البسَّام الحُسيني الفاطمي . وكان يُكْنَى أبا الفضل ثمَّ كنَّى نفسه أبا الخطَّاب وسمع بالأندلس وكان بصيراً بالحديث معتنياً بتقييده مُكِبًّا على سماعه حَسَن الخَطّ له حظٌّ وافرٌ من اللغة ومشاركة في العربية . وليَ قضاء دانِية مرَّتين وصُرف عنها ثمَّ حجَّ وكتب بالمشرق عن جماعة بأصبهان ونيسابور وعاد إلى مصر فاستأدبه العادل لولده الكامل وأسكنه القاهرة فنال بذلك دنيا عريضة . وله مصنفات منها : النصُّ المبين في المفاضلة بين أهل صفِّين .
وكان يقول إنه حفظ صحيح مسلم . وكان ظاهريَّ المذهب كثير الوقيعة في أئمَّة الجمهور وفي العلماء من السلف . قال محبّ الدين بن النجَّار : وكان خبيث اللسان أحمق شديد الكِبَر قليل النظر في الأمور الدينية متهافتاً في دينه وقال قبل ذلك : وذكر أنه سمع كتاب الصلة لتاريخ الأندلس من ابن بَشْكُوال وأنه سمع من أهل الأندلس غير أنِّي رأيت الناس مُجمعين على كذبه وضعفه وادّعائه لقاء من لم يلقه وسماع ما لم يسمعه . وكانت أمارات ذلك لائحةً عليه وكان القلبُ يأبى سماع كلامه ويشهد ببطلان قوله . وكان يُحكى من أحواله ويحرِّف في كلامه وصادف قبولاً من السلطان الملك الكامل وأقبل عليه إقبالاً عظيماً وكان يُعظِّمه ويحترمه ويعتقد فيه ويتبرَّك به وسمعتُ من يذكر أنه كان يُسَوِّي له المداس حين يقوم . وكان صديقنا إبراهيم السَّنْهوري المحدّث صاحب الرحلة إلى البلاد قد دخل إلى بلاد الأندلس وذكر لعلمائها ومشايخها أن ابن دحية يدَّعي أنه قرأ على جماعة من شيوخ الأندلس القدماء فأنكروا ذلك وأبطلوه وقالوا : لم يلقَ هؤلاء ولا أدركهم وإنَّما اشتغل بالطلب أخيراً وليس نسبه بصحيح في ما يقوله ودحية لم يُعْقِبْ . فكتب السَّنهوري مَحْضَراً وأخذ خطوطهم فيه بذلك وقدم به ديار مصر فاشتكى إلى السلطان منه فقال : هذا يأخذ من عرضي ويؤذيني ؛ فأمر السلطان بالقبض عليه وأُشهر على حمار وأُخرج من ديار مصر وأخذ ابن دحية المحضر وخرَّقهُ .
قال الشيخ شمس الدين : وبسببه بنى السلطان دار الحديث بالقاهرة وجعله شيخها . وكان يُرمى بشيءٍ من المجازفة وقيل عنه ذلك للكامل فأمره بتعليق شيءٍ على الشهاب فعلَّق كتاباً تكلَّم فيه على الأحاديث والأسانيد فلمَّا وقف عليه الكامل قال له بعد أيام : قد ضاع منِّي ذلك الكتاب فعلِّق لي مثله ؛ ففعل فجاء في الثاني مناقضةُ الأول فعلم الكامل صحَّة ما قيل عنه . وقال القاضي شمس الدين بن خلِّكان : وكان أبو الخطَّاب بن دِحية عند وصوله إلى إربل رأى اهتمام سلطانها الملك المعظَّم مظفَّر الدين بن زين الدين بعمل مولد النبي A صنَّف له كتاباً سمَّاه : التنوير في مدح السراج المنير وفي آخر الكتاب قصيدةٌ طويلة مدح بها مظفَّر الدين وأوَّلها : .
لولا الوشاة وَهُمُ ... أعداؤنا ما وَهِمُوا .
وقرأ الكتاب والقصيدة عليه . ورأيتُ هذه القصيدة بعينها في مجموع منسوب للأسعد بن مَمَّاتي فقلت لعلَّ الناقل غلط ؛ ثمَّ رأيتها بعد ذلك في ديوان الأسعد بكمالها مدح بها السلطان الملك الكامل فقوي الظن ثمَّ إنِّي رأيت أبا البركات بن المستوفي قد ذكر هذه القصيدة في تاريخ إربل عند ذكر ابن دحية وقال : سألته عن معنى قوله فيها : .
يَفديه من عَطا جُما ... دى كفِّه المُحَرَّمُ .
فما أحار جواباً . فقلتُ : لعلَّه مثل قول بعضهم : .
تسمَّى بأسماء الشهور فكَفُّه ... جُمادى وما ضمَّت عليه المُحَرَّمُ .
قال : فتبسَّم وقال : هذا أردتُ . وتوفي بالقاهرة سنة ثلاث وثلاثين وست مائة وقد نيَّف على الثمانين . وكان يَخْضِبُ بالسواد وفيه يقول شرف الدين بن عُنَيْن : .
دِحْيَةُ لم يُعْقِبْ فلِمْ تَعتري ... إليه بالبُهتان والإفكِ ؟