تأخَّرتُ لمَّا قدَّمتهم عُلاكُمُ ... عليَّ وتأبى الأُسْدُ سبقَ الثعالبِ .
تُرى أين كانوا في مواطنيَ التي ... غدوتُ لكم فيهنَّ أكرمَ نائبِ ؟ .
لياليَ أتلو ذكركم في مجالسٍ ... حديثُ الوَرَى فيها بغمزِ الحواجبِ .
ومنه قصيدة مدح بها صلاح الدين وسمَّاها : شكاية المتظلِّم ونكاية المتألِّم : .
أَيا أُذُنَ الأيامِ إنْ قلتُ فاسمعي ... لنفثةِ مصدورٍ وأنَّةِ موجَعِ .
وعِي كلَّ صوتٍ تسمعين نداءهُ ... فلا خيرَ في أُذُنٍ تُنادَى فلا تَعِي .
تقاصر بي خَطْوُ الزمانِ وباعُهُ ... فقصَّر من ذَرعي وقصَّر أذرُعي .
وأخرجني من موضعٍ كنتُ أهلَهُ ... وأنزلني بالجور في غير موضِعِ .
بسيفِ ابن مهديٍّ وأبناء فاتكٍ ... أقضَّ من الأوطان جنبي ومضجعي .
تيمَّمتُ مصراً أطلبُ الجاه والغنى ... فنلتهما في ظلِّ عيشٍ مُمَنَّعِ .
وزرتُ ملوكَ النِّيل أرتادُ نَيلهم ... فأحمد مُرتادي وأخصب مربعي .
وفزتُ بألفٍ من عطيةِ فائزٍ ... مواهبهُ للصنع لا للتصنُّعِ .
وكم طرقتني من يدٍ عاضِديَّةٍ ... سَرتْ بين يقظى من عيونٍ وهُجَّعِ .
وجاد ابن رُزِّيكٍ من الجاه والغنى ... بما زاد عن عزمَيْ رجائي ومطمعي .
وأوحى إلى سمعي ودائع شعره ... فخبّرتُه مني بأكرم مودَعِ .
وليست أيادي شاوَرٍ بذميمةٍ ... ولا عهدُها عندي بعهدٍ مُضيَّعِ .
ملوكٌ رعَوْا لي حُرْمةً صار نبتُها ... هشيماً رعتْه النائباتُ وما رُعي .
ورُدَّت بهم شمسُ العطايا لوفدهمْ ... كما قال قومٌ في عليٍّ ويوشعِ .
مذاهبهم في الجود مذهبُ سُنَّةٍ ... وإن خالفوني في اعتقادِ التشيُّعِ .
فقُلْ لصلاحِ الدين والعدلُ شأنهُ ... من الحاكمُ المُصغي إليَّ فأدَّعي .
سكتُّ فقالت ناطقاتُ ضرورتي : ... إِذا حلقاتُ البابِ عُلِّقن فاقرعِ .
فأدْللتُ إدلالَ المحبِّ وقلتُ ما ... أتاني بعفوِ الطبعِ لا بالتطبُّعِ .
وعندي من الآداب ما لو شرحتُهُ ... تيَقَّنتَ أني قدوةُ ابن المقفَّعُ .
أقمتُ لكم ضيفاً ثلاثة أشهرٍ ... أقول لصدري كلّما ضاق : وسِّعِ .
أُعَلِّلُ غلماني وخيلي ونسوتي ... بما ضقتُ من ذرعٍ ضعيفٍ مُرقَّعِ .
ونُوّابكم للوفد في كلِّ بلدةٍ ... تفرِّقُ شملَ السائل المتورِّعِ .
وكم من ضيوف الباب مِمَّن لسانُه ... إِذا قطعوه لا يقوم بإصبعِ .
مشارعُ من نعمائكم زرتُها وقد ... تكدَّر بالإسكندرية مشرعي .
فيا راعيَ الإسلام كيف تركتنا ... فريقي ضياعٍ من عرايا وجُوَّعِ ؟ .
دعوناك من قربٍ وبُعدٍ فهب لنا ... جوابك فالباري يجيبُ إِذا دُعي .
إلى الله أشكو من ليالي ضرورةٍ ... رجعنا بها نحو الجنابِ المُرجَّعِ .
قنعنا ولم نسألك صبراً وعفَّةً ... إلى أن عَدِمنا بُلغةَ المتقنِّعِ .
ولمَّا أغصَّ الريقُ مجرى حلوقنا ... أتيناك نشكو غُصَّة المتجرِّعِ .
ألم تَرْعَني للشافعيِّ فإنَّه ... أجلُّ شفيعٍ عند أعلى مُشفِّعِ .
ونصري له في حيثُ لا أنت ناصري ... بضربِ صقيلاتٍ ولا طعن شُرَّع .
لياليَ لا وقتُ العراق بسَجْسَجٍ ... بمصرَ ولا ريحُ الشآمِ بزَعزعِ .
كأنّي بها من آل فرعونَ مؤمنٌ ... أُصارع عن ديني وإن خاب مصرعي .
أمن حسنات الدهر أم سيِّئاته ... رضاك عن الدنيا بما فعلتْ معي ؟ .
ملكتَ عنانَ النصرِ ثمَّ خذلتني ... وحالي بمرأى من عُلاك ومسمعِ