فما لك لم توسع عليَّ وتلتفت ... إليَّ التفاتَ المنعِم المتبرِّع .
فإمّا لأني لستُ دون معاشرٍ ... فتحتَ لهم باب العطايا الموسَّعِ .
وإمّا لما أوضحتُهُ من زعازعٍ ... عصفنَ على ديني ولم أتزعزعِ .
ورَدِّي ألوفَ المالِ لم ألتفت لها ... بعيني ولم أحفل ولم أتطلَّعِ .
فإن سُمْتَني نظماً ظفرت بمُفْلِقٍ ... وإن سمتني نثراً ظفرتَ بمِصْقعِ .
طباعٌ وفي المطبوع من خطراته ... غنًى عن أفانين الكلام المصنَّعِ .
سألتُكَ في دَينٍ لياليك سُقْنَهُ ... وألزمتَنيه كارهاً غيرَ طيِّعِ .
وهاجرتُ أرجو منكَ إطلاقَ راتبٍ ... تقرَّرَ من أزمان كسرى وتُبَّعِ .
وليتك ممن أطلع البرق مطلعي ... لتعلمَ نبعي إن عجمتَ وخِرْوعي .
وما أنا إلاَّ قائمُ السيف لم يُقَم ... بكفٍ ودُرٌّ لم يجد من مرصِّعِ .
وياقوتةٌ في سلك عقدٍ مدارُهُ ... على خرزاتٍ من عقيقٍ مجزَّعِ .
وكم مات نضناض اللسان من الظما ... وكم شرقت بالماء أشداق ألكعِ .
فيا واصل الأرزاق كيف تركتني ... أمدُّ إلى زند العُلا كفَّ أقطع ؟ .
أعندكَ أني كلّما عطس امرُؤٌ ... بذي شَممٍ أقنى عطستُ بأجدَعِ .
ظلامةُ مصدوع الفؤاد فهل لها ... سبيلٌ إلى جبر الفؤاد المُصدَّعِ ؟ .
وأقسمتُ لو قالت لياليك للدجى : ... أعِدْ غاربَ الجوزاء قال لها : اطلُعي .
غدا الأمرُ في إيصال رزقي وقطعه ... بحكمك فابذل كيفما شئتَ واصنعِ .
كذلك أقدارُ الرجال وإن غدتْ ... بأمرِك فاحفظ كيفَ شئتَ وضيِّعِ .
فيا زارع الإحسان في كلِّ تربةٍ ... ظفرتَ بأرضٍ تُنبت الشكر فازرعِ .
فعندي إِذا ما العُرْفُ ضاع غريبُه ... ثناءٌ كعرفِ المسكةِ المتضوِّعِ .
وقد صدرتْ في طيِّ ذا النظم رقعةٌ ... عدا طمعي فيها إلى غير مطمعِ .
أريدُ بها إطلاقَ دَيني وراتبي ... فأطلِقهما والأمرُ منك فوقِّعِ .
فبيني وبين الجاه والعزِّ والغنى ... وقائع أخشاها إِذا لم توقِّعِ .
وما هي إلاَّ مدَّةٌ تستمدّها ... وقد فُجَّتِ الأرزاقُ من كلِّ منبعِ .
إلى هاهنا أُنهي حديثي وأنتهي ... وما شئتَ في حقِّي من الخير فاصنعِ .
فإنك أهلُ الجودِ والبرِّ والتُّقى ... ووضعِ الأيادي البيضِ في كلِّ موضعِ .
قلتُ : الذي أظنُّه وتقضي به ألمعيَّتي أنَّ هذه القصيدة كانت أحد أسباب شنقه - والله أعلم - لأنَّ الملوك لا يخاطبون بمثل هذا الخطاب ولا يواجَهون بهذه الألفاظ وهذا الإدلال الذي يؤدِّي إلى الإذلال . وأظنُّ أن هذه القصيدة ما أجْدَت شيئاً ؛ فمال عمارة حينئذٍ وانحرف وقصد تغيير الدولة - والله أعلم - وكان من أمره ما كان . وعلى الجملة فقتل مثل هذا الفاضل قبيح من الفاضل إن كان ذلك عن رأيه . ومن شعر عمارة أيضاً : .
أيُّها الناسُ والخطابُ إلى من ... هو من حيث فضلُه إنسانُ .
هذه خطبة إلى غير شخصٍ ... نَظَمتْ نثر عقدها الأوزانُ .
لم أخصِّص بها فلاناً لأنّي ... في زمانٍ ما في بنيه فلانُ .
من يكنْ عنده مَزِيَّةُ فهمٍ ... فليكن سامعاً فعندي لسانُ .
لم يميِّز بين البريَّةِ إلاَّ ... حسناتٌ يَزينها الإحسانُ .
والخطايا مستورةٌ بالعطايا ... كم جميلٍ به المَساوي تصانُ .
لا يَغُرَّنَّكُم زيادةُ حالٍ ... فالزياداتُ بعدها نقصانُ .
وإذا الدوحُ لم يُظِلَّ من الشم ... سِ فلا أورقتْ له أغصانُ .
وأحقُّ الأنام بالذَّمِّ جيلٌ ... بين أبنائه كريمٌ يهانُ