وماستْ فشقَّ الغصنُ غيظاً ثيابَه ... ألست ترى أوراقه تتناثرُ ؟ .
قال : وزعم أنه لا يؤتى لهما بثالث فأنشدتُه في الحال : .
وعاجَتْ فألقى العودُ في النارِ نفسَه ... كذا نقلتْ عنه الحديثَ المجامرُ .
وقالتْ فغارَ الدُّرُّ واصفرَّ لونُه ... كذلك ما زالتْ تغارُ الضَّرائرُ .
صاحب مَرّاكش .
علي بن يوسف بن تاشفين أمير السلمين . توفي والده سنة خمس مائة فقام بالملك مكانه وتلقَّب بلقبه أمير المسلمين وجرى على سننه في الجهاد وإخافة العدوّ . وكان حسن السيرة جيّد الطويّة عادلاً نزهاً حتَّى إنَّه كان يعدُّ من الزهَّاد المتبتِّلين . وآثر أهل العم حتَّى إنَّه لا يقطع أمراً إلاَّ بمشاورة العلماء أربعةٍ من الفقهاء . ونفقت في زمانه كتب مذهب مالك وطرح ما وراءها حتَّى نسي العلماء النظر في كتب السنن وقرَّر الفقهاء عنده تقبيح علم الكلام وأمر بإحراق كتب الغزالي لمَّا دخلت الغرب . واعتنى بكتَّاب الإنشاء وكان عنده مثل ابن الجدّ الأجدب وأبي بكر محمد بن القبطُرنه وابن أبي الخصال وأخيه أبي مروان وعبد المجيد بن عبدون .
وطالت أيامه إلى أن التقى عسكر بلنسية مع العدو فهزموا المسلمين وقتلوا من المرابطين خلقاً كثيراً . واختلَّت بعدها حاله وظهرت منكراتٌ كثيرة في بلاده واستولى أُمراء المرابطين على البلاد وادَّعوا الاستبداد وصار كلُّ واحدٍ يجهر بأنَّه أمير المسلمين وخيرٌ من علي بن يوسف بن تاشفين وأنَّه أولى منه بالأمر . واستولى النساء على الأحوال وكل امرأةٍ من كبار البرابر تشتمل على الفسَّاق والخمَّارين واللصوص . وقنع بالاسم والخطبة وعكف على الصوم وقيام الليل . وتوثَّب عليه ابن تومرت إلى أن ملك البلاد عبد المؤمن .
وتوفِّي سنة ابن تاشفين سنة سبع وثلاثين وخمس مائة وعهد إلى ابنه تاشفين فعجز عن الموحّدين وانزوى إلى مدينة وهران . ولمَّا اشتدَّ الحصار خرج راكباً وساق إلى البحر فاقتحمه وغرق فيقال إنَّهم أخرجوه وصلبوه وأحرقوه . ودامت دولة بني تاشفين بمراكش بضعاً وسبعين سنة وانقطعت الدعوة لبني العباس بموت علي .
الأفضل بن صلاح الدين .
علي بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب السلطان الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين . ولد يوم عيد الفطر سنة خمس وستين وخمس مائة بالقاهرة وتوفي فُجاءةً بشميساط سنة اثنتين وعشرين وست مائة وقيل إنَّ مولده سنة ستٍّ .
سمع من عبد الله بن برِّي النحوي وأبي الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري وأجاز له جماعةٌ . وكان أسنّ إخوته وإليه كانت ولاية العهد ؛ ولمَّا مات والده بدمشق كان معه فاستقلَّ بالسلطنة . ثمَّ جرت له ولأخيه العزيز حروبٌ وفتن . ثمَّ إنَّ العزيز وعمّه العادل اتَّفقا على الأفضل وقصداه في دمشق وحارباه وأخذاها منه فالتجأ إلى صرخد وأقام بها قليلاً . فمات العزيز بمصر وأقاموا ولده محمَّداً وهو صبيٌّ فطلبوا له الأفضل ليكون أتابكه فقدم ومشى في ركاب ابن أخيه . ثمَّ إنَّ العادل عمل على الأفضل وقصد مصر وأخذها منه لأنَّ عساكره كانت مفرَّقةً في الربيع وأعطاه ميَّافارقين وشميساط ؛ فلمَّا توجَّه إليهما لم يسلّم ابن العادل ميَّافارقين ولم يحصل للأفضل غير شميساط فاستنجد بأخيه الظاهر غازي وسار إلى دمشق وأشرفا على أخذها فجرت بينهما منازعةٌ بتدبير العادل آلت إلى الرحيل عنها . فلمَّا توفي الظاهر استنجد الأفضل بكيكاوس السلجوقي سلطان الروم فقصدا الشام دمشق سنة خمس عشرة وست مائة . فلمَّا أخذ الرومي تلَّ باشر ومنبج ولم يعطِ الأفضل منهما شيئاً انثنى عنه في الباطن . وكان الأشرف مقيماً بحلب لنجدة العزيز فخرج بعساكر حلب إلى لقاء الرومي ووقعت العربان على بعض عساكر الرومي فاستباحوهم قتلاً وأسراً . وعلم الرومي بانثناء الأفضل عنه ومخامرة بعض أمرائه عليه فولى هارباً وتبعه الأشرف يتخطَّف أطراف عسكره واسترجع تل باشر وغيرها للملك العزيز . وبقي الأفضل بشميساط إلى أن توفي يوم الجمعة فُجاءةً بعد أن صلَّى الجمعة خامس عشرين صفر من السنة المذكورة وحمل إلى حلب ودفن بها