صُنهُ عن جاهلٍ بما قد حواهُ ... ما ترى كلَّ ذرَّةٍ منه دُرَّهْ .
إنَّ عيناً بالوجهِ منك تَمَلَّتْ ... كَحَلَتْ جفنَها بمِيلِ المَسَرَّهْ .
وفؤاداً لا يمتلي بكَ حُبًّا ... رزقَ اللهُ ليله منكَ فَجْرَهْ .
لك باللائذين حولك لطفٌ ... وبمن بان عن حماك مَبَرَّهْ .
أتمنَّى لو عشتَ لي ألفَ عامٍ ... والمحبُّ الصدوق في الوُدِّ يَشْرَهْ .
فابقَ ما رقَّصَ النسيمُ غصوناً ... مَيَّلَتْ عِطفها الحمائمُ بُكْرَهْ .
ولي فيه عدَّة مدائح قصائد ومقاطيع وموشَّحات وأزجال وقد جمعت ذلك في مجلد سميتُه : الكواكب السمائيَّة في المناقب العلائيَّة .
العُمَيْلَة .
علي بن هبة الله اللخمي المعروف بالعُمَيْلَة - بالعين المهملة والميم والياء آخر الحروف ولام بعدها هاء - قال ابن رشيق في الأُنموذج : كان شاعراً مشهوراً يأتي كلَّ شيءٍ ظريفٍ على بَلَهٍ فيه وبلادة وقلّة علم في بثِّ ذلك حتَّى جعلوه مُدَّعياً سارقاً وكانت له بيتوتةٌ في الشعر فبأشعارهم يُتَّهم . وزعم قومٌ أنَّ أخته كانت شاعرة تصنع له إلى أن صنع في سيّدنا نصير الدولة قصيدة ذكر فيها وقعته بِزَنانة في وقتها : .
أظبيُكِ يا وَجْرَةُ الأعفرُ ... رماني أمِ الآنسُ الأحورُ ؟ .
يقول فيها : .
ولم أرَ مثليَ مُستخبراً ... عنِ الشيءِ وهو به أخبرُ .
إِذا ملكَ الحُبُّ حَبَّ القلوبِ ... فعنهُ يَرى وبه يُبصرُ .
هكذا الرواية في هذا البيت وهو تكرير يقبح على الشاعر الحاذق وإن سومح فيه . والذي أرى أن يُروى : .
فعنهُ يَعي وبه يبصرُ .
ثمَّ إنَّه ذكر انهزام القوم ومواضع القتال والوقائع فقال يخاطب محمد بن أبي العَرَب : .
ولمَّا طغى وبغى فُلْفُلٌ ... فطاش به رأيه الأخسرُ .
وغرَّتْهُ أطماعهُ الكاذباتُ ... وإبليسُ دأباً به يَمكرُ .
دعاك إليه نصير الإمام ... وما فوق ذا لامرئٍ مَفخرُ .
فأضحكتَ منهم ضباعَ الفلا ... وزارتهمُ الطُّلْسُ والأَنسرُ .
فقبر الشهيد عليهم شهيدٌ ... كما اعلان لهم محشرُ .
وعادتْ سَبِيبة سبًّا عليه ... وهذا جزاءٌ لمن يَكفرُ .
وأورد له أرجوزةً قافيَّة طرديَّة مليحة منها : .
والفجرُ كالسيفِ الخفيِّ الرونقِ ... أو بدءِ شيبٍ في خَفيِّ مفرقِ .
والديكُ قد صاح به أن أشْرِقِ ... في سَدَفٍ مثلِ الرداءِ المخلقِ .
حتَّى بدا في ثوبه الممزَّقِ ... كالكِسرويِّ بارزاً في يلمَقِ .
ومنها : .
من كفِّ ظبيٍ أعجميِّ المنطقِ ... مُدلَّلٍ منعَّمٍ مُفتَّقِ .
أهيفَ ذي ذؤابةٍ وقُرطَقِ ... مُشنَّفٍ مُوشَّحٍ مُنطَّقِ .
يعشقه للحسن من لم يعشقِ .
ومنها في الكلب : .
بكلِّ ذي نابٍ حديدٍ أورقِ ... وبُرْثُنٍ كالمبضعِ المُذلَّقِ .
يجمع ما بين اللأَى والخِرْنِقِ ... ويتبعُ الدَّرْدَقَ إثرَ الدَّرْدَقِ .
ومنها : .
وطائرٍ ذي جُؤْجُؤٍ منمَّقِ ... كأَنَّما استعاره من مُهرَقِ .
مُسرولٍ مُحجَّلٍ مُسبَّقِ ... لا يتَّقي ما مثله لا يتَّقي .
ولا يَرُدُّ مِنسراً عمَّا لقي ... فما تركْنا لائذاً بعَرَقِ .
ولا هتوفاً بين غصنٍ مورقِ ... تُصاد في وكرٍ لها مُعلَّقِ .
فواغراً أفواهَها كالأَفوقِ ... ولا وُعولاً في منيعٍ أخلَقِ .
قلتُ : أرجوزةٌ جيّدة وهي طويلة . وذَكر أنَّه توفي بتونس سنة ثلاث عشرة وأربع مائة وقد أشرف على السبعين سنة .
علي بن يعقوب .
نور الدين البكري الشافعي