من قال إنَّك تقتلي صبًّا غوى ... تالله ما هذي طباعك في الهَوَى .
لكنْ حظوظٌ قُسِّمَتْ في الناسِ .
وتقدَّم إليَّ بأن أخمِّس الأبيات المذكورة فقلتُ : .
يا من رأى كَلَفي به فتعطَّفا ... وحنا وجاد بوصله وتلطَّفا .
كيف انخدعتَ وملتَ عن طرقِ الوفا ؟ .
أشمتَّ بي الأعداءَ من بين الوَرَى ... ومنعتَ عيني أن ترى طيفَ الكرى .
عجباً لحظِّي منك كيف تغيَّرا .
إنِّي أعوذُ بمن قضى بصبابتي ... أن لا ترقَّ وترعوي لكآبتي .
أو أن ترى فيَّ المرادَ شوامتي .
أتساعدُ الأيامَ في جَور النَّوى ... وتكون عوناً للصبابة والجوى .
وتذيب صبري والتجلُّدَ والقوى ؟ .
وخمَّسها جماعةٌ من شعراء العصر ورُزقت حظًّا من سعادته وغنَّى بها المغنون . وكتبتُ إليه من الشام وقد ورد عليَّ كتابه من القاهرة : .
وافى الكتابُ كما أردتُ فعُدتُ من ... إجلاله عندي أقومُ وأقعدُ .
ولكم لثمتُ الثَّرى في سجدةٍ ... وأطلتُ حتَّى قيل : هذا هدهُدُ .
فكتب الجواب على ذلك : .
أهدى مشرَّفُكَ السليمانيُّ ما ... يفنى الزمانُ وحسنُه لا ينفذُ .
وفهمتُ سجدَةَ هدهدٍ قد وافقتْ ... وطبتُ حتَّى قلتُ : فيه معبدُ .
وله جمعت كتابي الذي سميتُه المجاراة والمجازاة حسبما طلبه منِّي وجهَّزته إليه وكتبتُ معه قصيدةً امتدحتُه بها وهي : .
لك جفنٌ لو خالف الصبُّ أمْرَهْ ... عاد بالدمع جفنُه وهو أَمْرَهْ .
أيُّ عينٍ سوداءَ قد تركتْ في ... صحنِ خدِّي من المدامع نُقْرَهْ .
يا غزالاً فيه من الغصنِ مَيْلٌ ... وقضيباً فيه من الظَّبي نَفْرَهْ .
أنا أغنى الأَنام فيك لأنِّي ... طالما نلتُ من محيَّاك بَدْرَهْ .
لك خدٌّ يُخالُ صفحةَ بدرٍ ... كُسفتْ وَسْطَها من الخالِ زُهْرَهْ .
وشذًى كلما تذكَّرتُ منه ... نَشرَه كلن لي من الدمع نُشْرَهْ .
يا لذاك الجبينِ إذْ رحتُ منه ... وثيابي بالدمعِ في الشمسِ عُصْرَهْ .
ولذاك الريق الذي مُذْ حلا لي ... كم تجرَّعتُ مُرَّهُ منه مَرَّهْ .
ولذاك العذار إذْ زان خدًّا ... صار منه للصبِّ ماءٌ وخُضْرَهْ .
أترى رَقْمه بكفِّ علاء ال ... دينِ لمَّا بدا وجرَّد سَطْرَهْ .
قلمٌ في بنانه يجعل الطِّر ... سَ مُحَيًّا وطُرَّةً فيه غُرَّهْ .
هي كفٌّ لو جفَّتِ الأَرضُ محلاً ... لم تعُز من يراعه غيرَ مَطْرَهْ .
لم يكن حارماً لمن حلب الرز ... قَ وإن جاءه حَماهُ المَعَرَّهْ .
خلِّ سمعي من قولك : ابن هلالٍ ... بدرُ هذا أتمُّ في كلِّ نَظْرَهْ .
ولأوضاعه حلاوَةُ معنًى ... طالما أرسلت من الجود قَطْرَهْ .
ليس كتبٌ يخُطُّها قطُّ كتباً ... بل رياضٌ قد أينعتْ كلَّ زَهْرَهْ .
تصدرُ الكتبُ في الممالك عنه ... فتُسَرُّ القلوبُ منها وتَكْرَهْ .
فهي عند الوليِّ أطواق جيدٍ ... وهي عند العدوِّ تقصد نَحْرَهْ .
وإذا ما أراد نظمَ قَريضٍ ... قلتَ : سحراً أدارَ أم كأس خَمْرَهْ .
بقوافٍ تمكَّنتْ واطمأنَّتْ ... لا كمن جرَّها إلى البيتِ سُخْرَهْ .
أين لفظٌ يأتي كنسمةِ روضٍ ... من مقالٍ يُلقي على القلبِ صَخْرَهْ .
ذاك في السمع دُرَّةٌ وأرى ذا ... في القفا مثلها وفي الدالِ كَسْرَهْ .
وحسودٍ يقول : لا أرضَ هذا ... قلتُ : تيهاً يا أسودَ الوجهِ بَعْرَهْ .
أيُّها السيِّدُ المُمَجَّدُ حالي ... بك حالٍ وكان من قبلُ عِبْرَهْ .
إنَّ هذا الكتاب باسمك لَمَّا ... صُغْتُه عظَّمَ البريَّةُ قَدْرَهْ